همسة ميلاد

 

يا بسمةَ الحُسنِ في أهدابِ نُوَّاري=يا نشوة اللحن في أجفان قيــــــثاري

 

ياغفوة الحُلْم في أحضان قافيتي=يا همسة الشوق في بوحي وإسراري

 

أيّارُ أهدى الدُّنى من وجهها ألقاً=فاسترسلتْ عبقاً أنفــــــــــــــــاسُ آذارِ

 

أناملُ الورد لهفى في جنائنها = تشتـــــــــــــــاق راحتَها من كفِّ زهَّارِ

 

بشرى بناصية الزمان قد رسمت  = وجْـــــــهَ الحياة هلالاً صاغه الباري

 

يذرو صِباها على أحداقنا ألقاً =في بحر رنــــــــــــــــوتها ينداحُ تيَّاري

 

ثغرُ الحياة رفيفٌ من تبسُّمِهــــا=زلالُ مقلتهــــــــــــــــــا من كوثرٍ جارِ

 

في شاطئيها صفاءٌ من براءَتِها=سيـــــــــــبٌ من الحُسْنٍ في وجْناتِ أزهار

 

قوس السحابِ تهادى في غدائرها=ألوانَ طيــــــــْفٍ نشاوى عُقْبَ أمطارِ

 

تنسابُ بهجتُها في بحر مهجتِها=في هدأة الروح بيـــــــــــن النور والنار

 

في كلِّ غاديــةِ إشراقُ لؤلؤةٍ=في عِقْدِ سُبحتِهـــــــــــــــــــــا تجري بأذكارِ

شعر علي عبود المناع 19/5/2012 السبت

                                               أنا العراق

أطلق شموخك برقاً في الدجى اللجِبِ           أشعلْ بـه ما تبقَّى من رحى الغضبِ

أيقظ بـه خفقـةً في قلب معتصمٍ                حـتى تكذِّبَ ما قـد جاء في الكتبِ

ما عربد الكأس في كـفِّ النديم ولا             شـبَّ البيـانَ له صنَّـاجةُ العربِ

قد يخذل السيف في كف الجبان وقد         يسمو حذاءٌ هوى في وجه مغتصبِ

رمـته كـفٌّ رمـتْ لله فاتَّشحتْ              بنوره , فتهـاوت حـلكة الحجبِ

وزغـردتْ لانبهـار الشمس مقلته            وأزلفتْ مـن شواظ القلب للشهبِ

 زيدِي انصهارك في جرحي وفي وجعي          أنـا العراق , وهذا اللفح مـن لهبي

 أنـا العـراق , لـيَ الميدان من قدمٍ          ولي السماء , وأمطاري بـلا سحبِ

بغداد يـا حلمـاً تتـرى مواجعُـهُ           على لحاظ المدى  “جسراً من التعبِ”     

طفلٌ أنـا , فتعـالي واركـبي نزقي             هـذي شموسي على نهريك لم تغبِ

 طفلٌ أنـا في سـرير المــاء مُنطَلَقي          لا أمَّ غــيرُك يـا بغدادُ تفرح بي

 أعــرتك القلــمَ المفتون قـافيةً         بضرعهــا تتلهَّـى الريح عن لُعَبي

 أُلقيْتُ في اليمِّ , والأمـواج عــاتيةٌ          كـي يولد الفجر إيمـاءً على هدبي

 يسَّاقطُ الحلمُ من أسـوار ذاكــرتي           محمَّلاً ببقـايـا مـن جـنى رطبي

 حنَّتْ مزامير أوجــاعي لتأخـذَني              يـد المسـافات شلالاً من الغَرَبِ

 طـرزتُ من حزنيَ التاريخ , فانتبذتْ           منه الليالي فِنـاء القلب مـن حقبي

 وقفتُ رغم الأسى أهدي الجراح منىً           كي آخذ الحبل من حمَّــالةِ الحطبِ

 ألقتْ ببهرجها الدنيـا علـى شفتي             وأسكــرتني بريـقِ التين والعنبِ  

 وأسلمتني رضــاب الغيم أحكمه             أنى يشـاء , فلي من ضرعـه حلبي 

 أخرجت من رحمي صفو العلوم ضحىً          للظـامئين ومرضى الشَّـكِّ والرِّيبِ

 والغـرب مـرتهنٌ في قعر هـاويـةٍ         من الخـرافـات في ليلٍ مـن النُّوبِ

حسبي هنا أنني هــذا الزَّمـان رؤىً        أزفُّهـا عند بـاب الفجـر مثلَ نبي

وأنني فوق هـام الجـرح عرس مـنىً          أكسو بها الصبح كـي يحلو لمرتقبِ

 جدائل المجـد مازالت علـى كتفـي            مضفورةً بسيوف الله لـم تشـبِ

 أُسِرْتُ لكنني رغـم القيـود ضحـىً            أُهدهدُ النُّـور للآتي مـن الحقبِ

 مازلت فـوق ركـام الغـدر منتصباً           وقامتي الدهر , والأيـام من حسبي

 نسجْتُ من بـردة الإيمــان أزمنتي            أزمُّهنَّ , وبطنَ الحـوت لم أهـبِ

 أنـا العراق بألـواني أنـا ابن جـلا         وكــل أوردتي تنمـي إلـى نسبي

 مازلتُ واسـطة العقد الذي عصفتْ           بـه الخيـانات تترى مـن أبي لهبِ

 

                                                                 شعر: علي صالح الجاسم … سوريا … منبج

 

 

 

             (  طريد الوهم  ) 

سِرْبٌ من النّغماتِ في آفاقِ ذاكرتي ينامْ

هذا فحيحُكِ يا أفاعي أمْ هديلُكَ يا حمامْ

أُصْغي إليْكَ وراءَ ذاكَ التّلّ تغرقُ في الظّلامْ

و تضِجُّ في الأفُقِ النّجومُ فلا تنامُ و لا أنامْ

فمتى تعودُ و نفسُكَ العطْشى يُكلّلُها الغمامْ

حتّامَ تبقى يا طريْدَ الوهْمِ تلهثُ في الزّحامْ

إنّي انتظرْتُكَ ألْفَ عامٍ فانتظرْني أنْتَ عامْ

و اسْكبْ على جنباتِ هذا اللّيلِ أغنيةَ الختامْ

منبج 1995

 

عيدٌ بنيسان أم جرحٌ بنيسانِ

حبلان في عنقي ، عيدي وأحزاني

عقيمةٌ كسرابٍ كلُّ أمنيةٍ                                                                                            

مثل الهجير على أهداب ظمآن

أسبعةٌ من جنى نيسان عاطرةٌ

أم تسعةٌ داهمتْ بالنار أغصاني ؟

 فأيّها أنعشتْ روحي بنفحتها

وأيّها باغتتْ بالذلّ وجداني؟

أدركتُ صحوي بعد الموت حين بدتْ

يدي تفتّش عني بين أكفاني

 تفجّر العمرُ في صحراء غربته

وانسابت الروح بحراً دون شطآن

ترمّد الحلمُ يا نيسان ما سطعتْ

إلا الفواجع من نجدٍ لتطوان

 مليون ذي قار في أسفارنا انتحبت

يلوكها الخوف في صمتٍ وكتمان

يا سيّدي يا عراق الخير ما روَيتْ

ظمآى النفوس سوى من ثغرك الحاني

 جادتْ عليكَ خوافي الشوق من عمري

وأشعلتْكَ حنيناً ألفَ بركان

 فأورق القلبُ نخلاً ملءَ صبوته

وأخصب الروحُ لحناُ ملء تحناني

 نسيتُ خلفَ جراحي كلَّ مؤلمةٍ

ورحتُ أضمرُ في سرّي وإعلاني

غداً ستشربُ عذْبَ النيل أوردتي

ويسْتشيط بجرحي رملُ نجران

غداً أحطّمُ مرآتي لأبصرني

 حلماً توقّد في أنظار إخواني

 غداً ستشرق شمس الأهل في رئتي

غداً أغني( بلاد العرب أوطاني)

 ما يشبه الحلمَ لا بلْ كالسراب بدا

 سعدٌ يتيه على فسطاط شروان

وفي غدٍ أمتي طافتْ مشيّعةً

أشلاءَ أحلامها في شرّ إذعان

 لا العادياتُ على بطحائها ضبحتْ

ولا أضاء وميضٌ نقعَ أشجاني

 إني تركتُ ورائي كلَّ مُبْهمةٍ

وجئتُ أهتك سرّي فوق جثماني

أنا العراقُ يُقالُ اكتظّ في جسدي

 نصال مَنْ رضعوا مِن فيض إحساني

 المالئين كؤوساً من جنى رطبي

الحالمين على أنداء غدراني

الغادرين وما يدرون إذْ غدروا

متى ستدركهم سكّينة الجاني

تناسل الشرُّ حتى من أظافركم

أطماعُ صهيون أم أحقاد ساسان ؟

على جراحيَ يُسْتعدى وقد جمعوا

حولي حبائلهم من كلّ شيطان

 وجمّعوا كيدهم ، بُعداً لما قذفوا

 بئستْ ثعابينهم تسعى بقيعاني

 فبوركت في لظى الهيجا حرابكمُ

روّيتموها ولكن من دمي القاني

 وداهمتْ جرحيَ المفجور غضبتكم

وليتها داهمتْ ظلماً تغشّاني

 وحدي مشيتُ وجرحي واحدٌ ودمي

ملء الفرات يروّي كلّ شريان

وقفتُ و الموت لا حدٌّ يباعدنا

وليس يربط قلبي غير إيماني

 سموتُ فوق جراحي وامتشقتُ دمي

رميتُ خلف ضلوعي كلَّ أضغاني

وانسابت الروح فجراً أيُّ ساريةٍ

 تقول: وعدُكَ يا ربّاه وافاني

إني سخيتُ عليكم ما ادّخرتُ دماً

وما عصبتُ غداة الروع أجفاني

مزدانةٌ بدمائي كلُّ مقصلةٍ

وكلُّ حاضرةٍ جذلى بأحزاني

 نذرتُ صفوَ دمائي دون معتقدي

 وما هتكتُ إبائي فوق صلبان

أسُُرَّ كلُّ مُعَدٍّ أم بكى جزعاً

 لمّا هزمتُ بموتي عهرَ طغيان

يا أيها الموتُ قد شاخت مطامحنا

مثل الهشيم تداعى فوق نيران

 إليكَ ما ساقني ضعفي ولا وهني

لكنَّ غدرَ بني قومي وخلاني

 وإنَّ مَنْ ذرفتْْ أنيابهم بدمي

سمَّ الفجيعة هم أهلي وجيراني

ياشمسَ تشرين أستوحيكِ ذاكرةً

لمّتْ نثار دمي من كلّ ميدان

من غضبة القدس من أصداء صيحتها

من هامة الشيخ من أوجاع جولان

فإنْ وفيتُ فلا منّاً ولا صلفاً

وإنْ تناسوا فليس الغدرُ من شاني

يا فجرَ نيسان قلْ لي أيُّ طافرةٍ

من مقلتيك عليها طاف نوران

 جسمٌ طوتْه رحى الأيام جائرةً

ومهجةٌ حلّقتْ في برزخٍ ثان

 يا جرحَ بغداد يا فجراً بمدمعه

تمشي مواكبنا من دون عنوان

 يا منبع الطهر يا وعداً يرفّ على

قبر الشهيد ، على أزهار نيسان

 دفقْتَ نبضكَ لحناً في ضمائرنا

فاجنِ الصبابةَ من شجوي وألحاني

كنت أقضي عطلة الصيف في معظم عقد الستينات في بيت جدي في “عانه”. (يكتب إسم مدينة “عانه” بهذا الشكل عادة “عنه” لكني لا أرى مبرراً لكتابتها هكذا،

خاصة أنها تعطي لفظاً خاطئاً لمن لا يعرف المدينة.)  وبيت جدي واحد من مجموعة بيوت ضمن “حوش”، وهو شيء وسطي، بين البيت الكبير لعائلة كبيرة، والمحلة الصغيرة.

لـ “حوش حسين” باب خارجي كبير متداعي، يبدو أنه بني للدفاع عن سكانه من هجمات الغزو التي حدثنا عنها أهلنا. يطل هذا الباب على “الدرب الجواني” (الداخلي) وهو شارع ترابي متعرج يخترق “عانه” من شرقها إلى غربها، وكثيراً ما مشينا به ولعبنا الدعبل. فالشارع الترابي بانحناءاته وارتفاعاته ورقة ارضيته، هو بيئة صديقة للدعابل وللأقدام الحافية.

وفي “عانه” شارع ثان خارجي يفصل المدينة عن التلال الصخرية التي تحيط ب”عانه”، وتجعل منها شريطاً رقيقاً طوله 11 كلم، وعرضه لا يزيد عن بضعة مئات من الأمتار. بين “الدرب الجواني” والنهر، تطل البيوت المحظوظة على منظر ساحر لجزر الفرات، وحيثما سمح المكان، تواجدت المقاهي التي تطل على النهر. وبين دربي ““عانه”” الوحيدين، خط من البيوت وبساتين النخيل والحمضيات ذات الأسيجة الواطئة، ثم يأتي “الدرب البراني” (الخارجي) والتلال الصخرية. ويربط هذا الطريق الأخير ““عانه”” بـ “لواء الرمادي”، كما كان يسمى، وبقية المدن التابعة له مثل هيت وحديثة، من جهة، ومن الجهة الأخرى يستمر الطريق نحو ناحية ““راوه”” القريبة، متلوياً بين البساتين عن اليمين والتلال التي تتحول إلى مغارات نسجت حول بعضها قصص الجن، وأشهرها مغارة “أم حجول”.

 

وكان الشباب يتراهنون على شجاعة بعضهم البعض في من يستطيع أن يذهب في منتصف الليل ويضع علامة في مغارة أم حجول، ثم يذهب رفاقه في الصباح ليتأكدوا منها. ولم يكن يجرؤ على ذلك إلا أشجع الشباب. ويروى أن واحداً منهم، ذهب فتأخر كثيراً، فقلق رفاقه عليه فذهبوا يفتشون عنه، فوجدوه في المغارة مغشياً عليه. وحين عاد لوعيه، قال أنه وضع العلامة المتفق عليها، وحين هم بالعودة إذا بأحد ما يمسك دشداشته! وتبين أن دشداشته قد حصرت تحت الصخرة الكبيرة التي وضعها كعلامة!

 

على تلك التلال كان “تانكي المي” (خزان الماء) ينتصب شامخاً، وتحته بقليل المدرسة الإبتدائية، وأعلى منها بقليل المدرسة الثانوية ذات الساحة الرياضية البسيطة التي شهدت تحديات وخاصة بكرة القدم وكرة الطائرة التي اجتذبت الشباب بشكل خاص، وكثرما تحولت إلى معارك بسيطة بين فرق مدارس ““عانه”” و”راوه”، خاصة عندما تخسر فرق “راوه” الأكثر مشاكسة وجرأة. ومع الوقت بنيت بعض البيوت المتناثرة على تلك التلال.

 

777-saeib

وفي الربيع تشهد التلال الأبعد، حركة نشطة للباحثين عن الكمأ والفطر وكذلك “الشعيفة”، وهو حشيش صحراوي أبري، سهل الأكل وطيب المذاق، وأيضاً “الكعوب”، وهو نبات صحراوي شوكي له أزهار بنفسجية كبيرة تؤكل نية أو بإعدادها بطرق مختلفة.

ولا أنسى أبداً حين كانوا ينظفون خزان الماء، فيتراكض الأطفال يبلغون بعضهم البعض بصرخة “سال التانكي”!، فكنا نهرع لنغنم دقائق الشلال القصير العمر الذي كان يحدثه الماء عند الحافة الصخرية، لنأخذاً “دوشاً” بارداً ونحن نلعب ونتضاحك.

 

عندما صرت في الثانية عشر كنت آخذ كل صيف كامرة خالي، الذي كان قد عاد من دراسته في الخارج،  وفلم واحد، ولم أصور به إلا ““عانه”” ببساتينها ونوعيرها وممراتها. لم أكن التقط صوراً لأصدقائي إلا نادراً جداً…فلدي 36 صورة فقط، أخصصها كل عام لتدوين جمال ““عانه”” دون غيرها.

 

أذكر مرة رآني رجل أحمل كامرتي في المنطقة بين “عانه” و”“راوه””، فأثار هذا الصبي فضوله، فسألني (السؤال التقليدي هناك)”إبن من” أنا، وماذا أفعل فقلت له، فنظر حوله وأشار إلى النهر وقال: “هذا منظر جميل، خذ له صورة”..أجبته، أتصور أنه سيكون أجمل من فوق هذا التل، ثم تركته وصعدت. وبينما أنا أفكر في الصورة، رأيته يصعد خلفي، نظر إلى النهر وقال: “والله صدقت…هيا خذ الصورة”! .. أجبت..”لا .. لم أقتنع بعد، سأصعد أكثر وسيكون المنظر أفضل”، وصعدت، حتى وصلت لمكان مناسب وكنت أعد كامرتي لإلتقاط صورة فإذا به يتسلق وهو ينهت… نظر حوله إلى النهر، والتوائه عند قلعة “راوه”، والبساتين المنتشرة بتفاصيلها الكثيرة، ونواعير النهر على الضفتين، فهز رأسه وقال عبارة لم أنسها حتى اليوم: “تقدر على زمانك”! وكانت لقطة من أجمل ما صورته في حياتي. هكذا كنت أقضي ايامي في “عانه” بين عشقي السباحة والتصوير، ويمكنكم أن تتخيلوا الصدمة حين قال لي المصور في بغداد مرة: “الفلم محروق”! – كم حقدت عليه! لم يكن عندي شك أنه أحرقه بإهماله.

عندما حان وقت حياة “التشرد”، أخذت معي جميع تلك الصور، وكانت غلطة العمر، ففقدت جميعاً!

 

النهر في “عانة”، لم يكن ممراً مائيا فقط بالنسبة لنا نحن الأطفال. بل كائن مهيب مليء بالتفاصيل والقصص والسعادة. أمام “حوش حسين” تمتد جزيرة “الحضرة”، تليها إلى الشرق جزيرة “المقطعات”. وهكذا تتوالى الجزر كلآلئ عِقد في وسط النهر، وعلى طول “عانه”، بل وبعدها وقبلها أيضاً.

كنا نقضي يومنا في النهر من الصباح وحتى المساء أحياناً، وحسب الموسم ومستوى المياه. مجموعة من أربعة إلى ثمانية أطفال عادة، نسبح عند ناعور “صدر الرحى” (الذي يظهر في اللوحة) ، وكان أهلنا ألقلقين علينا لا يريدوننا أن نذهب عند الناعور، حيث الماء سريع، يخبرونا – دون جدوى- أنه “بيت السعلوة”. بل كان الأطفال الأكثر جرأة وأكبر عمراً يمسكون بالناعور، ويجعلونه يرفعهم من النهر عالياً، وهو يئن ويكاد يتوقف من الثقل، ثم يقفزون إلى الماء ليعود يدور مسرعاً ويستعيد إيقاع أغنيته الحزينة!

 

وفي موسم الفيضان يتغير المنظر، ويربط الناعور بحبال قوية، ويسرع النهر وتصعب السباحة. لكن الشباب الأكبر كانوا يستغلون غرق الأرصفة العالية حين لا يبقى منها الكثير ظاهراً ليلعبوا “الدكة”، حيث ينقسمون إلى فريقين يتصارعان للسيطرة على ذلك الرصيف (الدكة)، وكنا نراقبهم بحسد وببعض الخوف مما كان يبدو في لعبهم من العنف وكل يلقي بالآخر في الماء الجارف بقوة وبلا رحمة.

 

عند الناعور، كان أهالي “عانه” يقطعون النهر بخط من الحجارة، هي أشبه بالسد غير المكتمل، يسمى “السِكِر” (بكسر السين والكاف وتسكين الراء)، الغرض منه رفع مستوى الماء قليلاً، لكي يدور الناعور بشكل أفضل. ومن المنطقي أن تجد دائماً ناعورين على جانبيه عند ضفتي النهر للإستفادة من ارتفاع الماء. وفي وسط النهر تترك عمداً “الفتحة”، لكي لا يحصر النهر أكثر من اللازم ويدحرج الصخور. وتتطلب إدامة “السكر” عناية لإعادة وضع ما تدحرج تلك الصخور الكبيرة، في مكانها كل عام، وكذلك تتطلب إدامة النواعير أعمالاً متكررة.

الناعور يدور باستمرار، ويأخذ كل صاحب بستان حصته من مائه وقتاً محدداً، قد يكون بعد منتصف الليل وحتى الصباح، وعليه أن يقضي ذلك الوقت يركض لفتح السواقي وغلقها. لا ينقسم مجتمع “عانه” أو “راوه” إلى “عشائر”، وإنما “أحواش” أو “بيوت”، ولم تعرف “عانه” أو “راوه” أو المناطق القريبة منها الإقطاع، ولم تكن هناك فوارق طبقية حادة بين الناس. وكان الجميع تقريباً يمتلك بعض الأرض التي يقوم بفلاحتها، ولم نسمع بأحد يمتلك أراض شاسعة يقوم الفلاحين بزراعتها له، ولم يكن هناك “شيوخ” و “عبيد” أو “اقنان” ولم أر يوماً شخصاً “مسكيناً” يشعر بالدونية في تلك المناطق. وتقسم أراضي البساتين إلى “صلبان” (جمع صليب، عمودان من الخشب متعامدان في الناعور) وهي وحدة قياس مساحة مبتكرة مشتقة من الناعور الذي يتكون من 12 صليب. فالناعور يستطيع ري مساحة محددة من الأرض، ويتم تقسيم هذه الأرض إلى 12 قسم يسمى كل منها “صليب” (تنطق بتسكين جميع الحروف).

 

“السكر” وصخوره الزلقة المغطاة دائماً بطبقة خفيفة من الماء، وخطوط الأمواج البيضاء التي كان يرسلها ذيولاً طويلة وقصيرة كما تشاهدون في اللوحة، كانت بالنسبة لنا مكان لعب ومتعة لا حدود لها. نلعب ونلهو ساعات عند “السكر” ونحن نقترب شيئاً فشيء من وسط النهر، عند “الفتحة”، وأخيراً نقرر العبور إلى الجزيرة، وعندها نقذف بأنفسنا في “الفتحة” ذلك الممر السريع المخيف من الماء، ونضرب ونضرب حتى نصل الى ذيل الجزيرة الرملي، محاذرين التلكؤء كيلا يجرفنا الماء نحو الجزيرة التالية، “المقطعات”. وبعد استراحة وبعض اللعب، نخترق الجزيرة حتى غربها، صعوداً عكس تيار النهر، على طولها الذي يقل عن كيلومتر واحد، وفي طريقنا المظلل بالنخيل والأشجار المثمرة نحصل على “البسر” الأصفر، وهو التمر نصف الناضج، ألذ أصناف الفاكهة، أو هذا ما كنا نراه.

من مقدمة الجزيرة تبدأ رحلة عودتنا فيجرفنا النهر خلال وقت سباحتنا، عائداً بنا إلى “الفتحة” السريعة والضحلة المياه، والتي يجب أن نتسطح عندها فوق الماء قدر الإمكان خشية أن تصيبنا سرعة التيار وصخور القاع القريبة، بأذى، وكثرما فعلت ذلك!

 

لكن صديقنا “السكر” لم يكن لطيفاً دائماً – تغرورق عيناي بالدموع وأنا أكتب هذا السطر – فما أزال أذكر ذلك المساء الثقيل الحزين الصامت، إلا من نواح أم بعيدة، حين غرق صديقي “كفاح”! كان يسبح لوحده ذلك اليوم، وتخيلته يقفز غاطساً عند “السكر” فتصيب رأسه حجارة قاع كان يتصوره عميقاً، فيغمى عليه ويغرق. وجدوا جثة كفاح في اليوم التالي مع جرح في جبهته! كنت مصدوماً ومذهولاً، لكن لا أذكر أني بكيت “كفاح”. يبدو لي أن الأطفال لا يبكون الموت، اليس كذلك؟

 

الصيف في “عانه” رقيق. حره لا يؤذي ولا يمنع من العمل واللعب، ولكن بما يكفي للتمتع بالسباحة. وحتى حين يشتد قليلاً، فيكفي أن تجلس في “عشة” من سعف النخيل أو أغصان “الغَرَب” وترشها بالماء لتنعم بالهواء المنعش المعطر. والنوم على السطوح في الليل، متعة أخرى! فيتحول السطح إلى ساحة للّعب والمصارعة. وعندما كان النسوة والفتيات من عدة بيوت يجتمعن لعمل “الكليجة” في السطح، ويضاف عدد من المصابيح لزيادة الإضاءة، كان ذلك سبب آخر للإحتفال واللعب حتى وقت متأخر.

 

لكن ألذ ما في النوم على السطوح، ذلك البرد الخفيف الرطوبة على الوسادة عندما نضع رأسنا عليها لأول مرة! إني أفهم السياب تماماً عندما قال: “واحسرتاه متى انام… فاحس ان على الوساده، من ليلك الصيفي طلا… فيه عطرك ياعراق”!

كنا نخبث على بعضنا البعض، فنتسابق إلى “سرقة” ذلك “الطل” بأن ننام على وسادة الغائبين أولاً، قبل أن ننقلب إلى فراشنا! حتى النوم كان احتفالية في ذلك الزمن، لماذا، وما الذي حدث؟

وأخيراً يهدأ ضجيجنا، ويتوقف سعف النخيل عن الحركة، والعصافير عن الزقزقة. وقبل أن أستسلم إلى النوم، أسمع في ذلك الهدوء من بعيد هدير “السكر” الذي أخذ “كفاح”، وأنين الناعور الذي كنت أتخيله يريد أن يقول شيئاً….ونغفوا!

 

في بعض المرات كنا “نسيّس” – بكسر وتشديد الياء- (أي نترك مجرى النهر يأخذنا) من “راوه” إلى “عانه”، على “الجوب” المطاطي الأسود. كانت هذه السفرة مع تحضيراتها تستغرق يومناً، لبطء النهر خاصة عند منحنى النهر عند قلعة “راوه”، وكنا نمر في طريقنا بـ “الطِين” (جمع “طينة” .. وهي جزيرة صغيرة مؤقتة تظهر في موسم هبوط النهر وتتم زراعتها بالخيار والرقي واللوبياء الغضة وغيرها. وروى لي أبي مرة كيف كانوا يذهبون لزراعة “الطيَن” والعناية بها في الفجر المثلج وقبل ذهابهم إلى المدرسة). وكنا “نسرق” ونأكل بعض ما تجود به “الطين”، ثم نستمر، لنصل وقد أسدل الليل ستاره على “عانه”، وكل شيء هادئ، إلا هدير “السكر” وصوت الناعور، وصراخنا يملأ النهر، وقد ابتعدنا عن بعضنا.

 

عندما أتذكر ذلك، أفكر، مسكين طفلي، ومساكين أطفال الأجيال التي تلتنا. لن يمكن له أو لرفاقه أبداً أن يذوقوا طعم تلك السعادة وتلك الحرية وذلك الإحساس بالأمان والضحك الكثير والمشاعر العميقة، وحتى لو كنت مليونيراً اليوم لما أمكنني توفير مثلها له أبداً!

 

الطريق بين بغداد و”عانه” كان شاقاً ووعراً وطويلاً، وأكثره غير مبلط، وسعيد من ينجو من الدوار حتى نهايته. لكنه لا يخلو من أماكن ساحرة مثل منطقة “البغدادي” ومقهاها الذي يطل على منطقة في النهر، تبرز فيها الصخور وأشجار “ألغَرَب” برائحتها المميزة المنعشة، وتسير عميقاً عبر النهر. كنت أتصور أنه الجنة!

وعندما نصل إلى “عانه”، فأن أول شيء كنت أحرص على رؤيته هو “الشط”. وحتى لو وصلنا في وقت متأخر من الليل، فإني أفرك عيني وأقفز من السيارة وأركض حتى النهر. وهناك أبقى دقائق طويلة أستمع إلى صوت “السِكر” وهو يحطم الأمواج بهدير مهيب، ويرتفع وينخفض أنين ألناعور الأزلي…

 

أذكر في إحدى المرات عندما وصلنا “عانه”، كان جرح في إصبع قدمي قد تورم، ويجب أنتظار شفائه قبل أن يسمح لي بالسباحة. نزعت ملابسي، ووقفت عند الدكة التي نقفز منها إلى النهر. قالت خالتي محذرةً:” يجب أن يطيب جرحك أولاً؟” قلت… “أنا أقف فقط “.. كنت أريد على الأقل أن أقترب من متعة السباحة بقدر ما يُسمح لي به. بقيت هكذا لدقائق طويلة أنظر إلى النهر وأتخيل نفسي اتلوى في مياهه، وأنا ألمح خالتي تحدق بي باسمة ومتأثرة. وفجأة ضممت يداي إلى صدري وصرخت، لم أعد استطيع المقاومة، وقفزت الى الماء!

 

اللوحة التي أمامكم، تمثل “حوش حسين” على فرات “عانه” القديمة. فيها بعض التفاصيل والشخوص المتخيلة، أما معظمها الباقي فيعود إلى صورة التقطتها للمكان، عام  67 أو 68، وما أزال أذكر تفاصيل التقاطها. البيت على اليسار كان بيت خالتي، التي كانت تنادي إبنها من تلك الشرفة لكي يتغدى، ثم ليتعشى، وأحياناً ليتناول فطوره! فقد كان “سلام” سمكة أكثر مما كان طفلاً. والى يمين البيت مكان أشبه بالحجرة المغلقة في الماء، تغسل فيها الفتيات الصحون ويسبح فيها الأطفال الصغار. هذا الخط الداكن النازل عند حائط الجامع كان مسار ماء التغسيل من الجامع إلى النهر. كان في الجامع “قمرية” عنب كبيرة تطل على النهر، وكان في اعلى مئذنته عش لقالق. البناء قرب الناعور كان طاحونة يوماً ما، ومن هنا جاء إسمه “صدر الرحى”، لكننا لم نشاهدها.

 

كان هذا المكان أفضل ما يمثل “عانه” بالنسبة لي، بلا منازع، لكن لم يكن ممكن التقاط صورة له إلا من داخل النهر، وكانت تلك مشكلة. وفي أحد الأيام أقنعت صديقي فاضل، أن نذهب في “بلمه” (زورقه) إلى منتصف النهر لنأخذ الصورة!

وبعد قليل كنا نصارع أمواج “السكر” في بلم صغير جداً، “أبو أربعة تنكات” – (مصنوع من أربعة علب دهن الراعي الكبيرة) مهدد بالغرق في أية لحظة، وما قد يعنيه ذلك من احتمال فقدان البلم، وأهم من ذلك بالنسبة لي، تلف الفلم كله وربما الكامرة! ولأني يجب أن أهتم بالصورة فقد كان على فاضل أن يهتم بالبلم لوحده ويجدف بقوة ليتقدم أو يقاوم الإنجراف حتى نصل إلى المنطقة التي ترضي “المصور”. وأذكر صراخه وهو يحتج على طلباتي المتكررة الكثيرة: .. “يجب أن نذهب أكثر في عمق النهر” .. “تقدم قليلاً” .. “لا معنى للصورة إذا أخذناها من هنا، شوية بعد” …. “لا .. متكفي لازم نروح أبعد”…”منارة الجامع لا تظهر كلها مع الماء من هنا”… “يا أخي إذا أخذت الصورة من هنا، أما الناعور ما يطلع أو الحوش ما يطلع”..”إحنا تعبنا تعبنا.. خللي نحصل صورة زينة”…

وأخيراً، صرنا حيث كانت كامرتي تستطيع أن تحتوي أحب مكان لدي في العالم. لم يكن في الكامرة شيء أوتوماتيكي، ولن أبذر أكثر من صورة واحدة حتى هنا!  أضبط المسافة… قدّر فتحة العدسة المناسبة…. السرعة… والآن حاول أن تستقر أكثر ما يمكن ذلك في بلم صغير تؤرجحه الأمواج…و…” كليك” !

 

وغرقت “عانه”! ومازالت ترن في أذني أصوات صرخاتنا وتلاطم الأمواج ورذاذ الماء وصراخ فاضل القلق من غرق البلم، وصوت الناعور الذي لم

هذه الخاطر كتبتها في التسعينات إلى الفنان المهاجر قحطان العطار الذي عاش طوال حياته في الغربة بعيدا عن العراق بعيدا عن أهله وأصحابه وعن وطنه الذي يسال عنه دوما.

أين رست بك الدنيا أيها الغريب ؟ أيها الفنان المبدع لقد اعتدنا على سماع صوتك المليء بالحزن والغربة لقد تعايشت الغربة من خلال صوتك قبل أن أراها واليوم ضقنا مرارة الغربة  ومنذ سنين صوتك الحزين الذي يعبر عن أحاسيسك وعن مشاعرك عن الوطن لأنك بعيدا عنه عن العراق الجريح نتمنى أن ترجع ألينا لقد اشتقنا إليك أيها الحبيب أيها العزيز والغالي.ونتمنى من كل فنان مخلص لبدله ولفنه ان يرجع من الغربه ويقدم اعمال فنية تخدم المجتمع والناس .

( الخاطرة  باللهجة العامية ) وفي هذه الكلمات المتواضعة الوطن يناديه ووالدته تناديه وكل أم  تناديه وتقول له ارجع من هذه الغربة اللعينة.

 

                     ……….يا  عطار…..

 

 

راحت أسنين آو أيام أو ليالي بس انتظر ….

              

 

 كل ساعه اكول اليوم آو باجر هسه أو يحن والله أو يرد…..

 

           

                    يمتعب الحال….

 

 

                         يمتعب البال…

 

             

              ما ضل صبر…ما ضل فكر…

 

   لو..تجي وشوف حالي ….وشوف اللي جرالي……           

 

    انه من بعدك يبني راح أضل مهموم….

 

   وكولن بس الهم…. صفالي …….. بس القهر… صفالي

 

بس عود…مو كافي هجر…بس عود مو كافي غربه…بس عود…

 

               كلبي على كلب آولدي…

            

             أو كلب آولدي من صخر…

 

 

أيهم محسن 7-3-2012 الأربعاء

 

حكاية جورية 

لكل وردة عطرها

ولي عطري

انا ما تعرفون

أنا ان مشيت يمشي اهل العشق على اثري

انا ملكة الورد توافقا مابين الندىوالورد والزهر

انا من اغرى الجماد لان يكون له مقل

فسبحان من ابدع

وسبحان من اودع

السحر كل السحر في عطري

انا امين الجمال ومؤتمن

سر الورود كله في خدري

لذلك سأعمل على تغيير هذا الكون

هذه هي رسالتي وهذا هو قدري

طيب على طيب وثغر على ثغر

هكذا قالت الوردة الجورية دون ان ادري

بذلك النصل

الذي شطرها الى نصفين

يالهول الطعنة

ويا لقسوت تلك اليد

محمد حسن المنلا

                  ايهم محسن3-3-1012 السبت

الرحيل
قصيدة للشاعر حسن النيفي
( أزف الترحل فتمنوا لي يا رفاقي حظاً طيباً ،
إن السماء خضيبة بحمرة الفجر ، ودربي تنفسح رائعة )
طاغور
 
أنـحــن ُ اثــنــان فــــي مـحـرابـنـا الـمـفـجـوع ِ نـبـتـهـل ُ؟
نـشــيّــع دمــعـــةً ضـــــاءتْ ، بـمـنـفـانـا ، ونـحـتــفــلُ
ونسـتـجـدي خـفـايــا الــجــرح حــيــن الــحــزن يـنـهـمـل ُ
ونـنـتـظـرُ انـبـثــاقَ الـفـجــر ، يـغـشـانـا الــنــدى الـثـمــلُ
ونـحـلــمُ أن يــســوحَ الــنــورُ فــــي دمــنــا فـنـشـتـعـل ُ
نـعـمـدُ فـــي كـهــوف الـلـيــل صــوتــاً ثــــم نـرتـحــلُ
أنـحــن اثــنــانِ مـوهـومــانِ أم ضــاقــتْ بــنــا الـحـيَــل ُ ؟
ونـحـسـبُ إن دفَـعْـنـا الـسـيــر يــــردي خـطـونــا الـعَـجَــلُ
ويتـبـعـنـا حــــداءُ الــريــحِ ، يــجــري خـلـفـنـا الأجــــل ُ
فـنـسـبـحُ فــــي ســديــم الــكــون لاســهـــلٌ ولاجــبـــلُ
إذن فـلـنـحـبـسِ الأنــفـــاسَ حــتـــى تـنـجـلــي الـســبــل ُ
أنــحــن اثــنــان بــيــن بــيــادر الـظـلـمــات نـنـتـقــل ُ؟
وتـنــعَــبُ حـولــنــا الـغــربــانُ ، نـرمـقـهــا فـتـخـتـتـل ُ
وتبـغـتـنـا زحــــوف الـبـغــي يــحــدو جـيـشـهـا الــدجــلُ
ضــبــابٌ أغــــرق الأجــفــانَ فـانـسـابـتْ بــــه الـمـقــل ُ
نــــروم مـعـابــر الأنــــوار ، نـكـبــو ثـــــم نـرتــحــلُ
ونـسـألُ : كــم يـطـول السـيـر ، كـيـف إلـــى الـسـنـا نـصــل ُ؟
أكــنــا قــبــلُ يـغـرقـنـا لـهــيــب الــحـــب والـقــبــلُ
وجـئـنـا ، هـــل إلـــى الأنـــوار يـحـبـو ظـلـنــا الـخـجــل ُ
فــهــاكَ دمــــي وخــــلِّ الـعـمــرَ لـلـغـاديـنَ إن وصــلــوا
********************************
أضـعـتُـكَ إذ أضـعــتُ الـــدربَ ثـــم هـتـفـتُ : أيـــن أنـــا ؟
ورحـــتُ أجـيــلُ حـولــي الـطــرفَ ، أنـظــر هـهـنـا وهـنــا
وأبـحــث عـنــكَ فـــي مـقـلـي أفـلّــي الــخــوفَ والـوسـنــا
أهــــذي طــفــرة ٌ لـلـحـلـم يتـبـعـهـا شــعـــاع ســنـــا ؟
وتــلــك زوابــــع ٌ عـجـفــاءُ تــــذرو الــهـــم والـفـتـنــا
وحـولــي تـعـصـف الأمـــواج تـــذرف فـــي دمـــي شـجـنــا
أكــنــا طـائـريــن نــــروم فـــــي بـيـدائـنــا فـنــنــا ؟
ونـغــرف مـــن نـزيــف الـقـلــب نـسـقــي الأرض والـوطـنــا
ونــرقــب مــــن كــــوى الآلام نـجـمــاً بـاسـمــاً حـسـنــا
وتـسـألـنـي : لــــو اسـتـهـديـتَ عــقــلاً نـاضـجــاً فـطـنــا
فـمــاذا لـــو لـجـمـتُ دمـــي ولـــم أسـتـوطــن الـمـحـنـا ؟
ومــــاذا لــــو ســكــتُّ وكــنــتُ لـلـطـاغـوت مـرتـهـنـا ؟
وأمــشــي خــافــت الأنــفــاس يـتـبــع خــطــوي الـرسـنــا
وأسـجــدُ حـيــن يـهـمـي الـلـيـل تـلـثــم جـبـهـتـي وثــنــا
وتـسـألـنـي : كــأنــكَ قــــد عـشـقــتَ الــــذل والـوهــنــا
غـدونــا نـعـشــق الـظـلـمـات ، صــــار الــنــور ممـتـهـنـا
لـــو انـــي آه 00 لـــو أسـقـيـك مــــن آلامــــي الـمـزنــا
لـــو انـــي قـــد نـبـشـت الـعـمـر واستنـطـقـتُ مـــا دفـنــا
لــو انــكَ مــن شـغـاف الـجــرح قـــد هـيّــأتَ لـــي كـفـنـا
ايهم محسن 23/2/2012 الخميس

 شاعر الأبوذية  (  الشاعر سالم الصالح )

ربما الصدفة جمعت بيني وبين الشاعر سالم الصالح حتى أصبحنا أكثر من أصدقاء ولازلنا أصدقاء لكن الذي فرق بيني وبين الشاعر سالم الصالح الغربة ومع ذلك لازلنا نتواصل بين الحين والأخر من خلال زياراتي للعراق لكنه موجود في مخيلتي وذاكرتي لا استطيع نسيانه حتى

لو نسيته يوم من الأيام  فالأغنيات التي كتبها لا تجعلني نسيانه وكان اللقاء الأول بيني وبينه منذ أكثر من عشر سنوات وهذا اللقاء لازلت أتذكر كل كلمة تكلمنا بها وكان يحمل بيده دفتر مليء بالأشعار التي كتبها لكني  كنت لم اعرفه منذ قبل ولا اعرف عنه أي شيء وبدأ بالحديث عن نفسه وقال لي أنا اسمي سالم الصالح واكتب الشعر ولي بعض النصوص الغنائية وبدا يقرأ من الدفتر الذي كان بين يديه وكان تركيزي الأول على صوته الرخيم الذي يحمل قرارا رائعا بنبرات حزينة فأعجبت بطريقة أسلوبه المميز بالإلقاء وربما كان لا يدرك ذلك انه يمتلك هكذا موصفات رائعة بصوته الذي يراودني كثيرا ولا استطيع نسيانه,فأخذت بعض النصوص لتلحينها وهذا ما كان يبحث عنه, فطلبت منه بتغيير بعض المفردات لكنه لم يعارض أبدا وطلبت منه أيضا أن يتواصل  ويحتك بالشعراء الشعبيين وان يستفاد من تجاربهم لأن الشاعر سالم الصالح لم يكن له تواصل مع الشعراء وهذا الشيء مهما بالنسبة له ووافقني الرأي وذهبنا إلى الشاعر الكبير الأستاذ محمد خليل كوكز وعرضنا له الأغاني والمواويل التي كتبها الشاعر سالم الصالح وبدأ اهتمامه وأعجب بالكلمات وعبر عن رأيه في بعض الملاحظات التي يحتاجها الشاعر سالم الصالح التي استفاد منها ومن النقد البناء من الشاعر محمد خليل كوكز لأن الشاعر الكبير كوكز له  باع طويل في كتابة الشعر ويعتبر واحد من أهم الشعراء الشعبيين في محافظة الأنبار والعراق وله الفضل الكبير وأصبحا الشاعر سالم صديقا له,وما جعل الشاعر سالم الصالح ان ينجح هو تواضعه وتقبله للنقد البناء والإصرار الذي يمتلكه وبدأ يتواصل مع الشعراء ومشواره الحقيقي مع كتابة الشعر وأصبح شاعرا رائعا بكتابة (الأغنية وكتابة الأبوذية والزهيري والموال) لأن الشاعر سالم الصالح يمتلك موهبة حقيقية جعلته يتطور يوما بعد الأخر في بناء الأغنية والكثير من البحور الشعرية وكل يوم يفاجئنا بكتابة أبوذية وموال,وأنا اعتبر الشاعر سالم الصالح شاعر شفاف في جميع كتاباته ومميز عن بقية الشعراء وخاصة في كتابة الأغنية ولقب بشاعر الأبوذية من زملائه الشعراء لكنه ليس فقط شاعر الأبوذية أيضا يستحق لقب الشاعر الشفاف وشاعر الأغنية من خلال تجربتي معه وتلحين العديد من الأغنيات التي كتبها ويستحق ذلك بكل جدارة ومن الأبوذيات التي كتبها الشاعر سالم الصالح ( وردة )

عجيبه اشلون ما سموك وردة

يحالتي حالت المجنون ورده

أبحديقتنه أنتمنه أتصير ورده

نشمك كل صباح أو مسيه

التي غناها أحد الفنانين لا أريد أن أذكر اسمه وأيضا غنى له أغنية التي أعددت لها اللحن من التراث وتفاجأت بتسجيل الأبوذية والأغنية باسم شاعر أخر وسجل اللحن من التراث حينها اعتذر لأنه لم يقصد الإساءة وقبلنا الاعتذار وطلبت منه ان يغني الأبوذية والأغنية في احد اللقاءات التلفزيونية ويقول هذه من كلمات الشاعر سالم الصالح وحينها قال سوف افعل ذلك لكنه لم  يفعل ذلك,ومع ذلك الشاعر سالم الصالح نسي الأمر ولم يتذكره بعد لأنه طيب القلب وسمح جدا.

الشاعر سالم الصالح له خصوصية في كتابة الأغنية الوطنية وتميز بهذه الجانب الرائع وهذا ما يدل على حبه وإخلاصه لوطنه الحبيب العراق العزيز والغالي على جميع العراقيون الشرفاء ومن بين هذه الأغاني التي كتبها الشاعر سالم الصالح أنشودة (وين أنت مثلك وطن ) التي سجلها  الفنان  لمبدع (ظاهد الراشد) التي ابدع في اداء هذه ألأنشودة الرائعة وكانت الأنشودة من الحاني ربما اللحن لم يكن بنفس مستوى الكلمات لأني لا استطيع تقييم الحاني ربما كان اللحن اقل مستوى من الكلمات الانشودة.

ايهم محسن

من هنا تحميل واستماع انشودة وينت مثلك وطن

منذ صغره كان يرسم عوداً صغيراً بمخيلته رسم عوداً على جدران تلك المدينة مدينة البصرة الجميلة والرائعة التي كان يعيش فيها وكان يكتب عبارة تحت العود هذا عود ثلبت البصري

حلمه الأول أن يصنع عودا صغيرا لينال إعجاب معلم الموسيقى ورفاقه في المدرسة لأنه دائما يسأل وبفضول معلمه هل أستطيع أن أصنع آلة العود وأتعلم العزف عليها

هكذا كان حبه للموسيقى ورغبته الشديدة لتعلم صناعة آلة العود التي شغلت فكره منذ الصغر.

كان يعشق سماع الموسيقى وبشغف وكل ما هو جميل من فن راقٍ وخاصة سماع الموسيقى على آلة العود,لان الأصوات التي تصدر من آلة العود تخاطب جميع أحاسيسه وعواطفه ومشاعره الصادقة باتجاه الإنسانية.

بدأ يكبر ويكبر حلمه الذي راوده منذ الطفولة حتى جاء اليوم الذي قرر فيه أن يصنع ذلك العود وحقق حلمه وبكل نجاح وترك بصمة كبيرة على تلك المدينة التي عاش فيها, وهو يحمل جميع ذكريات الطفولة وذكريات العود الذي رسمه على جدران مدينته ليحلق بها فوق البصرة وشناشيلها التي تذكرك بأمجاد هذه المدينة لتي تمسك بها منذ الصغر, ليصبح صانعاً وعازفاً لآلة العود حتى يكون لديه تواصل روحي بين الصناعة والعزف.

بدأ يتعلم الصناعة يوماً بعد الأخر وسرعان ما تعلم صناعة آلة العود لكنه لم يتوقف عند هذه الصناعة فقط بل دخل مجالات أخرى وأبدع فيها ليكون موسوعة شاملة,

صناعة الة العود إنها صناعة جميلة وصعبة في نفس الوقت بكل تفاصيلها وتحتاج إلى الكثير من الوقت والدقة والتركيز والجهد لأن الصانع الجيد لم يأت من فراغ أبدا,الفنان ثابت البصري تجاوز جميع المراحل الصعبة التي مرت به لأن إرادته كانت قوية وهذا ما جعله صانعا مبدعا ومحترفا

وأصبح من أشهر صانعي آلة العود وهذا يدل على حبه وشغفه بالموسيقى وحبه أيضا لمدينة البصرة لأنه يعشقها ويعشق فنها الأصيل المتوارث منذ القدم.

أيهم محسن 

12-8-2011