Archive for the ‘Uncategorized’ Category

 

عيدٌ بنيسان أم جرحٌ بنيسانِ

حبلان في عنقي ، عيدي وأحزاني

عقيمةٌ كسرابٍ كلُّ أمنيةٍ                                                                                            

مثل الهجير على أهداب ظمآن

أسبعةٌ من جنى نيسان عاطرةٌ

أم تسعةٌ داهمتْ بالنار أغصاني ؟

 فأيّها أنعشتْ روحي بنفحتها

وأيّها باغتتْ بالذلّ وجداني؟

أدركتُ صحوي بعد الموت حين بدتْ

يدي تفتّش عني بين أكفاني

 تفجّر العمرُ في صحراء غربته

وانسابت الروح بحراً دون شطآن

ترمّد الحلمُ يا نيسان ما سطعتْ

إلا الفواجع من نجدٍ لتطوان

 مليون ذي قار في أسفارنا انتحبت

يلوكها الخوف في صمتٍ وكتمان

يا سيّدي يا عراق الخير ما روَيتْ

ظمآى النفوس سوى من ثغرك الحاني

 جادتْ عليكَ خوافي الشوق من عمري

وأشعلتْكَ حنيناً ألفَ بركان

 فأورق القلبُ نخلاً ملءَ صبوته

وأخصب الروحُ لحناُ ملء تحناني

 نسيتُ خلفَ جراحي كلَّ مؤلمةٍ

ورحتُ أضمرُ في سرّي وإعلاني

غداً ستشربُ عذْبَ النيل أوردتي

ويسْتشيط بجرحي رملُ نجران

غداً أحطّمُ مرآتي لأبصرني

 حلماً توقّد في أنظار إخواني

 غداً ستشرق شمس الأهل في رئتي

غداً أغني( بلاد العرب أوطاني)

 ما يشبه الحلمَ لا بلْ كالسراب بدا

 سعدٌ يتيه على فسطاط شروان

وفي غدٍ أمتي طافتْ مشيّعةً

أشلاءَ أحلامها في شرّ إذعان

 لا العادياتُ على بطحائها ضبحتْ

ولا أضاء وميضٌ نقعَ أشجاني

 إني تركتُ ورائي كلَّ مُبْهمةٍ

وجئتُ أهتك سرّي فوق جثماني

أنا العراقُ يُقالُ اكتظّ في جسدي

 نصال مَنْ رضعوا مِن فيض إحساني

 المالئين كؤوساً من جنى رطبي

الحالمين على أنداء غدراني

الغادرين وما يدرون إذْ غدروا

متى ستدركهم سكّينة الجاني

تناسل الشرُّ حتى من أظافركم

أطماعُ صهيون أم أحقاد ساسان ؟

على جراحيَ يُسْتعدى وقد جمعوا

حولي حبائلهم من كلّ شيطان

 وجمّعوا كيدهم ، بُعداً لما قذفوا

 بئستْ ثعابينهم تسعى بقيعاني

 فبوركت في لظى الهيجا حرابكمُ

روّيتموها ولكن من دمي القاني

 وداهمتْ جرحيَ المفجور غضبتكم

وليتها داهمتْ ظلماً تغشّاني

 وحدي مشيتُ وجرحي واحدٌ ودمي

ملء الفرات يروّي كلّ شريان

وقفتُ و الموت لا حدٌّ يباعدنا

وليس يربط قلبي غير إيماني

 سموتُ فوق جراحي وامتشقتُ دمي

رميتُ خلف ضلوعي كلَّ أضغاني

وانسابت الروح فجراً أيُّ ساريةٍ

 تقول: وعدُكَ يا ربّاه وافاني

إني سخيتُ عليكم ما ادّخرتُ دماً

وما عصبتُ غداة الروع أجفاني

مزدانةٌ بدمائي كلُّ مقصلةٍ

وكلُّ حاضرةٍ جذلى بأحزاني

 نذرتُ صفوَ دمائي دون معتقدي

 وما هتكتُ إبائي فوق صلبان

أسُُرَّ كلُّ مُعَدٍّ أم بكى جزعاً

 لمّا هزمتُ بموتي عهرَ طغيان

يا أيها الموتُ قد شاخت مطامحنا

مثل الهشيم تداعى فوق نيران

 إليكَ ما ساقني ضعفي ولا وهني

لكنَّ غدرَ بني قومي وخلاني

 وإنَّ مَنْ ذرفتْْ أنيابهم بدمي

سمَّ الفجيعة هم أهلي وجيراني

ياشمسَ تشرين أستوحيكِ ذاكرةً

لمّتْ نثار دمي من كلّ ميدان

من غضبة القدس من أصداء صيحتها

من هامة الشيخ من أوجاع جولان

فإنْ وفيتُ فلا منّاً ولا صلفاً

وإنْ تناسوا فليس الغدرُ من شاني

يا فجرَ نيسان قلْ لي أيُّ طافرةٍ

من مقلتيك عليها طاف نوران

 جسمٌ طوتْه رحى الأيام جائرةً

ومهجةٌ حلّقتْ في برزخٍ ثان

 يا جرحَ بغداد يا فجراً بمدمعه

تمشي مواكبنا من دون عنوان

 يا منبع الطهر يا وعداً يرفّ على

قبر الشهيد ، على أزهار نيسان

 دفقْتَ نبضكَ لحناً في ضمائرنا

فاجنِ الصبابةَ من شجوي وألحاني

كنت أقضي عطلة الصيف في معظم عقد الستينات في بيت جدي في “عانه”. (يكتب إسم مدينة “عانه” بهذا الشكل عادة “عنه” لكني لا أرى مبرراً لكتابتها هكذا،

خاصة أنها تعطي لفظاً خاطئاً لمن لا يعرف المدينة.)  وبيت جدي واحد من مجموعة بيوت ضمن “حوش”، وهو شيء وسطي، بين البيت الكبير لعائلة كبيرة، والمحلة الصغيرة.

لـ “حوش حسين” باب خارجي كبير متداعي، يبدو أنه بني للدفاع عن سكانه من هجمات الغزو التي حدثنا عنها أهلنا. يطل هذا الباب على “الدرب الجواني” (الداخلي) وهو شارع ترابي متعرج يخترق “عانه” من شرقها إلى غربها، وكثيراً ما مشينا به ولعبنا الدعبل. فالشارع الترابي بانحناءاته وارتفاعاته ورقة ارضيته، هو بيئة صديقة للدعابل وللأقدام الحافية.

وفي “عانه” شارع ثان خارجي يفصل المدينة عن التلال الصخرية التي تحيط ب”عانه”، وتجعل منها شريطاً رقيقاً طوله 11 كلم، وعرضه لا يزيد عن بضعة مئات من الأمتار. بين “الدرب الجواني” والنهر، تطل البيوت المحظوظة على منظر ساحر لجزر الفرات، وحيثما سمح المكان، تواجدت المقاهي التي تطل على النهر. وبين دربي ““عانه”” الوحيدين، خط من البيوت وبساتين النخيل والحمضيات ذات الأسيجة الواطئة، ثم يأتي “الدرب البراني” (الخارجي) والتلال الصخرية. ويربط هذا الطريق الأخير ““عانه”” بـ “لواء الرمادي”، كما كان يسمى، وبقية المدن التابعة له مثل هيت وحديثة، من جهة، ومن الجهة الأخرى يستمر الطريق نحو ناحية ““راوه”” القريبة، متلوياً بين البساتين عن اليمين والتلال التي تتحول إلى مغارات نسجت حول بعضها قصص الجن، وأشهرها مغارة “أم حجول”.

 

وكان الشباب يتراهنون على شجاعة بعضهم البعض في من يستطيع أن يذهب في منتصف الليل ويضع علامة في مغارة أم حجول، ثم يذهب رفاقه في الصباح ليتأكدوا منها. ولم يكن يجرؤ على ذلك إلا أشجع الشباب. ويروى أن واحداً منهم، ذهب فتأخر كثيراً، فقلق رفاقه عليه فذهبوا يفتشون عنه، فوجدوه في المغارة مغشياً عليه. وحين عاد لوعيه، قال أنه وضع العلامة المتفق عليها، وحين هم بالعودة إذا بأحد ما يمسك دشداشته! وتبين أن دشداشته قد حصرت تحت الصخرة الكبيرة التي وضعها كعلامة!

 

على تلك التلال كان “تانكي المي” (خزان الماء) ينتصب شامخاً، وتحته بقليل المدرسة الإبتدائية، وأعلى منها بقليل المدرسة الثانوية ذات الساحة الرياضية البسيطة التي شهدت تحديات وخاصة بكرة القدم وكرة الطائرة التي اجتذبت الشباب بشكل خاص، وكثرما تحولت إلى معارك بسيطة بين فرق مدارس ““عانه”” و”راوه”، خاصة عندما تخسر فرق “راوه” الأكثر مشاكسة وجرأة. ومع الوقت بنيت بعض البيوت المتناثرة على تلك التلال.

 

777-saeib

وفي الربيع تشهد التلال الأبعد، حركة نشطة للباحثين عن الكمأ والفطر وكذلك “الشعيفة”، وهو حشيش صحراوي أبري، سهل الأكل وطيب المذاق، وأيضاً “الكعوب”، وهو نبات صحراوي شوكي له أزهار بنفسجية كبيرة تؤكل نية أو بإعدادها بطرق مختلفة.

ولا أنسى أبداً حين كانوا ينظفون خزان الماء، فيتراكض الأطفال يبلغون بعضهم البعض بصرخة “سال التانكي”!، فكنا نهرع لنغنم دقائق الشلال القصير العمر الذي كان يحدثه الماء عند الحافة الصخرية، لنأخذاً “دوشاً” بارداً ونحن نلعب ونتضاحك.

 

عندما صرت في الثانية عشر كنت آخذ كل صيف كامرة خالي، الذي كان قد عاد من دراسته في الخارج،  وفلم واحد، ولم أصور به إلا ““عانه”” ببساتينها ونوعيرها وممراتها. لم أكن التقط صوراً لأصدقائي إلا نادراً جداً…فلدي 36 صورة فقط، أخصصها كل عام لتدوين جمال ““عانه”” دون غيرها.

 

أذكر مرة رآني رجل أحمل كامرتي في المنطقة بين “عانه” و”“راوه””، فأثار هذا الصبي فضوله، فسألني (السؤال التقليدي هناك)”إبن من” أنا، وماذا أفعل فقلت له، فنظر حوله وأشار إلى النهر وقال: “هذا منظر جميل، خذ له صورة”..أجبته، أتصور أنه سيكون أجمل من فوق هذا التل، ثم تركته وصعدت. وبينما أنا أفكر في الصورة، رأيته يصعد خلفي، نظر إلى النهر وقال: “والله صدقت…هيا خذ الصورة”! .. أجبت..”لا .. لم أقتنع بعد، سأصعد أكثر وسيكون المنظر أفضل”، وصعدت، حتى وصلت لمكان مناسب وكنت أعد كامرتي لإلتقاط صورة فإذا به يتسلق وهو ينهت… نظر حوله إلى النهر، والتوائه عند قلعة “راوه”، والبساتين المنتشرة بتفاصيلها الكثيرة، ونواعير النهر على الضفتين، فهز رأسه وقال عبارة لم أنسها حتى اليوم: “تقدر على زمانك”! وكانت لقطة من أجمل ما صورته في حياتي. هكذا كنت أقضي ايامي في “عانه” بين عشقي السباحة والتصوير، ويمكنكم أن تتخيلوا الصدمة حين قال لي المصور في بغداد مرة: “الفلم محروق”! – كم حقدت عليه! لم يكن عندي شك أنه أحرقه بإهماله.

عندما حان وقت حياة “التشرد”، أخذت معي جميع تلك الصور، وكانت غلطة العمر، ففقدت جميعاً!

 

النهر في “عانة”، لم يكن ممراً مائيا فقط بالنسبة لنا نحن الأطفال. بل كائن مهيب مليء بالتفاصيل والقصص والسعادة. أمام “حوش حسين” تمتد جزيرة “الحضرة”، تليها إلى الشرق جزيرة “المقطعات”. وهكذا تتوالى الجزر كلآلئ عِقد في وسط النهر، وعلى طول “عانه”، بل وبعدها وقبلها أيضاً.

كنا نقضي يومنا في النهر من الصباح وحتى المساء أحياناً، وحسب الموسم ومستوى المياه. مجموعة من أربعة إلى ثمانية أطفال عادة، نسبح عند ناعور “صدر الرحى” (الذي يظهر في اللوحة) ، وكان أهلنا ألقلقين علينا لا يريدوننا أن نذهب عند الناعور، حيث الماء سريع، يخبرونا – دون جدوى- أنه “بيت السعلوة”. بل كان الأطفال الأكثر جرأة وأكبر عمراً يمسكون بالناعور، ويجعلونه يرفعهم من النهر عالياً، وهو يئن ويكاد يتوقف من الثقل، ثم يقفزون إلى الماء ليعود يدور مسرعاً ويستعيد إيقاع أغنيته الحزينة!

 

وفي موسم الفيضان يتغير المنظر، ويربط الناعور بحبال قوية، ويسرع النهر وتصعب السباحة. لكن الشباب الأكبر كانوا يستغلون غرق الأرصفة العالية حين لا يبقى منها الكثير ظاهراً ليلعبوا “الدكة”، حيث ينقسمون إلى فريقين يتصارعان للسيطرة على ذلك الرصيف (الدكة)، وكنا نراقبهم بحسد وببعض الخوف مما كان يبدو في لعبهم من العنف وكل يلقي بالآخر في الماء الجارف بقوة وبلا رحمة.

 

عند الناعور، كان أهالي “عانه” يقطعون النهر بخط من الحجارة، هي أشبه بالسد غير المكتمل، يسمى “السِكِر” (بكسر السين والكاف وتسكين الراء)، الغرض منه رفع مستوى الماء قليلاً، لكي يدور الناعور بشكل أفضل. ومن المنطقي أن تجد دائماً ناعورين على جانبيه عند ضفتي النهر للإستفادة من ارتفاع الماء. وفي وسط النهر تترك عمداً “الفتحة”، لكي لا يحصر النهر أكثر من اللازم ويدحرج الصخور. وتتطلب إدامة “السكر” عناية لإعادة وضع ما تدحرج تلك الصخور الكبيرة، في مكانها كل عام، وكذلك تتطلب إدامة النواعير أعمالاً متكررة.

الناعور يدور باستمرار، ويأخذ كل صاحب بستان حصته من مائه وقتاً محدداً، قد يكون بعد منتصف الليل وحتى الصباح، وعليه أن يقضي ذلك الوقت يركض لفتح السواقي وغلقها. لا ينقسم مجتمع “عانه” أو “راوه” إلى “عشائر”، وإنما “أحواش” أو “بيوت”، ولم تعرف “عانه” أو “راوه” أو المناطق القريبة منها الإقطاع، ولم تكن هناك فوارق طبقية حادة بين الناس. وكان الجميع تقريباً يمتلك بعض الأرض التي يقوم بفلاحتها، ولم نسمع بأحد يمتلك أراض شاسعة يقوم الفلاحين بزراعتها له، ولم يكن هناك “شيوخ” و “عبيد” أو “اقنان” ولم أر يوماً شخصاً “مسكيناً” يشعر بالدونية في تلك المناطق. وتقسم أراضي البساتين إلى “صلبان” (جمع صليب، عمودان من الخشب متعامدان في الناعور) وهي وحدة قياس مساحة مبتكرة مشتقة من الناعور الذي يتكون من 12 صليب. فالناعور يستطيع ري مساحة محددة من الأرض، ويتم تقسيم هذه الأرض إلى 12 قسم يسمى كل منها “صليب” (تنطق بتسكين جميع الحروف).

 

“السكر” وصخوره الزلقة المغطاة دائماً بطبقة خفيفة من الماء، وخطوط الأمواج البيضاء التي كان يرسلها ذيولاً طويلة وقصيرة كما تشاهدون في اللوحة، كانت بالنسبة لنا مكان لعب ومتعة لا حدود لها. نلعب ونلهو ساعات عند “السكر” ونحن نقترب شيئاً فشيء من وسط النهر، عند “الفتحة”، وأخيراً نقرر العبور إلى الجزيرة، وعندها نقذف بأنفسنا في “الفتحة” ذلك الممر السريع المخيف من الماء، ونضرب ونضرب حتى نصل الى ذيل الجزيرة الرملي، محاذرين التلكؤء كيلا يجرفنا الماء نحو الجزيرة التالية، “المقطعات”. وبعد استراحة وبعض اللعب، نخترق الجزيرة حتى غربها، صعوداً عكس تيار النهر، على طولها الذي يقل عن كيلومتر واحد، وفي طريقنا المظلل بالنخيل والأشجار المثمرة نحصل على “البسر” الأصفر، وهو التمر نصف الناضج، ألذ أصناف الفاكهة، أو هذا ما كنا نراه.

من مقدمة الجزيرة تبدأ رحلة عودتنا فيجرفنا النهر خلال وقت سباحتنا، عائداً بنا إلى “الفتحة” السريعة والضحلة المياه، والتي يجب أن نتسطح عندها فوق الماء قدر الإمكان خشية أن تصيبنا سرعة التيار وصخور القاع القريبة، بأذى، وكثرما فعلت ذلك!

 

لكن صديقنا “السكر” لم يكن لطيفاً دائماً – تغرورق عيناي بالدموع وأنا أكتب هذا السطر – فما أزال أذكر ذلك المساء الثقيل الحزين الصامت، إلا من نواح أم بعيدة، حين غرق صديقي “كفاح”! كان يسبح لوحده ذلك اليوم، وتخيلته يقفز غاطساً عند “السكر” فتصيب رأسه حجارة قاع كان يتصوره عميقاً، فيغمى عليه ويغرق. وجدوا جثة كفاح في اليوم التالي مع جرح في جبهته! كنت مصدوماً ومذهولاً، لكن لا أذكر أني بكيت “كفاح”. يبدو لي أن الأطفال لا يبكون الموت، اليس كذلك؟

 

الصيف في “عانه” رقيق. حره لا يؤذي ولا يمنع من العمل واللعب، ولكن بما يكفي للتمتع بالسباحة. وحتى حين يشتد قليلاً، فيكفي أن تجلس في “عشة” من سعف النخيل أو أغصان “الغَرَب” وترشها بالماء لتنعم بالهواء المنعش المعطر. والنوم على السطوح في الليل، متعة أخرى! فيتحول السطح إلى ساحة للّعب والمصارعة. وعندما كان النسوة والفتيات من عدة بيوت يجتمعن لعمل “الكليجة” في السطح، ويضاف عدد من المصابيح لزيادة الإضاءة، كان ذلك سبب آخر للإحتفال واللعب حتى وقت متأخر.

 

لكن ألذ ما في النوم على السطوح، ذلك البرد الخفيف الرطوبة على الوسادة عندما نضع رأسنا عليها لأول مرة! إني أفهم السياب تماماً عندما قال: “واحسرتاه متى انام… فاحس ان على الوساده، من ليلك الصيفي طلا… فيه عطرك ياعراق”!

كنا نخبث على بعضنا البعض، فنتسابق إلى “سرقة” ذلك “الطل” بأن ننام على وسادة الغائبين أولاً، قبل أن ننقلب إلى فراشنا! حتى النوم كان احتفالية في ذلك الزمن، لماذا، وما الذي حدث؟

وأخيراً يهدأ ضجيجنا، ويتوقف سعف النخيل عن الحركة، والعصافير عن الزقزقة. وقبل أن أستسلم إلى النوم، أسمع في ذلك الهدوء من بعيد هدير “السكر” الذي أخذ “كفاح”، وأنين الناعور الذي كنت أتخيله يريد أن يقول شيئاً….ونغفوا!

 

في بعض المرات كنا “نسيّس” – بكسر وتشديد الياء- (أي نترك مجرى النهر يأخذنا) من “راوه” إلى “عانه”، على “الجوب” المطاطي الأسود. كانت هذه السفرة مع تحضيراتها تستغرق يومناً، لبطء النهر خاصة عند منحنى النهر عند قلعة “راوه”، وكنا نمر في طريقنا بـ “الطِين” (جمع “طينة” .. وهي جزيرة صغيرة مؤقتة تظهر في موسم هبوط النهر وتتم زراعتها بالخيار والرقي واللوبياء الغضة وغيرها. وروى لي أبي مرة كيف كانوا يذهبون لزراعة “الطيَن” والعناية بها في الفجر المثلج وقبل ذهابهم إلى المدرسة). وكنا “نسرق” ونأكل بعض ما تجود به “الطين”، ثم نستمر، لنصل وقد أسدل الليل ستاره على “عانه”، وكل شيء هادئ، إلا هدير “السكر” وصوت الناعور، وصراخنا يملأ النهر، وقد ابتعدنا عن بعضنا.

 

عندما أتذكر ذلك، أفكر، مسكين طفلي، ومساكين أطفال الأجيال التي تلتنا. لن يمكن له أو لرفاقه أبداً أن يذوقوا طعم تلك السعادة وتلك الحرية وذلك الإحساس بالأمان والضحك الكثير والمشاعر العميقة، وحتى لو كنت مليونيراً اليوم لما أمكنني توفير مثلها له أبداً!

 

الطريق بين بغداد و”عانه” كان شاقاً ووعراً وطويلاً، وأكثره غير مبلط، وسعيد من ينجو من الدوار حتى نهايته. لكنه لا يخلو من أماكن ساحرة مثل منطقة “البغدادي” ومقهاها الذي يطل على منطقة في النهر، تبرز فيها الصخور وأشجار “ألغَرَب” برائحتها المميزة المنعشة، وتسير عميقاً عبر النهر. كنت أتصور أنه الجنة!

وعندما نصل إلى “عانه”، فأن أول شيء كنت أحرص على رؤيته هو “الشط”. وحتى لو وصلنا في وقت متأخر من الليل، فإني أفرك عيني وأقفز من السيارة وأركض حتى النهر. وهناك أبقى دقائق طويلة أستمع إلى صوت “السِكر” وهو يحطم الأمواج بهدير مهيب، ويرتفع وينخفض أنين ألناعور الأزلي…

 

أذكر في إحدى المرات عندما وصلنا “عانه”، كان جرح في إصبع قدمي قد تورم، ويجب أنتظار شفائه قبل أن يسمح لي بالسباحة. نزعت ملابسي، ووقفت عند الدكة التي نقفز منها إلى النهر. قالت خالتي محذرةً:” يجب أن يطيب جرحك أولاً؟” قلت… “أنا أقف فقط “.. كنت أريد على الأقل أن أقترب من متعة السباحة بقدر ما يُسمح لي به. بقيت هكذا لدقائق طويلة أنظر إلى النهر وأتخيل نفسي اتلوى في مياهه، وأنا ألمح خالتي تحدق بي باسمة ومتأثرة. وفجأة ضممت يداي إلى صدري وصرخت، لم أعد استطيع المقاومة، وقفزت الى الماء!

 

اللوحة التي أمامكم، تمثل “حوش حسين” على فرات “عانه” القديمة. فيها بعض التفاصيل والشخوص المتخيلة، أما معظمها الباقي فيعود إلى صورة التقطتها للمكان، عام  67 أو 68، وما أزال أذكر تفاصيل التقاطها. البيت على اليسار كان بيت خالتي، التي كانت تنادي إبنها من تلك الشرفة لكي يتغدى، ثم ليتعشى، وأحياناً ليتناول فطوره! فقد كان “سلام” سمكة أكثر مما كان طفلاً. والى يمين البيت مكان أشبه بالحجرة المغلقة في الماء، تغسل فيها الفتيات الصحون ويسبح فيها الأطفال الصغار. هذا الخط الداكن النازل عند حائط الجامع كان مسار ماء التغسيل من الجامع إلى النهر. كان في الجامع “قمرية” عنب كبيرة تطل على النهر، وكان في اعلى مئذنته عش لقالق. البناء قرب الناعور كان طاحونة يوماً ما، ومن هنا جاء إسمه “صدر الرحى”، لكننا لم نشاهدها.

 

كان هذا المكان أفضل ما يمثل “عانه” بالنسبة لي، بلا منازع، لكن لم يكن ممكن التقاط صورة له إلا من داخل النهر، وكانت تلك مشكلة. وفي أحد الأيام أقنعت صديقي فاضل، أن نذهب في “بلمه” (زورقه) إلى منتصف النهر لنأخذ الصورة!

وبعد قليل كنا نصارع أمواج “السكر” في بلم صغير جداً، “أبو أربعة تنكات” – (مصنوع من أربعة علب دهن الراعي الكبيرة) مهدد بالغرق في أية لحظة، وما قد يعنيه ذلك من احتمال فقدان البلم، وأهم من ذلك بالنسبة لي، تلف الفلم كله وربما الكامرة! ولأني يجب أن أهتم بالصورة فقد كان على فاضل أن يهتم بالبلم لوحده ويجدف بقوة ليتقدم أو يقاوم الإنجراف حتى نصل إلى المنطقة التي ترضي “المصور”. وأذكر صراخه وهو يحتج على طلباتي المتكررة الكثيرة: .. “يجب أن نذهب أكثر في عمق النهر” .. “تقدم قليلاً” .. “لا معنى للصورة إذا أخذناها من هنا، شوية بعد” …. “لا .. متكفي لازم نروح أبعد”…”منارة الجامع لا تظهر كلها مع الماء من هنا”… “يا أخي إذا أخذت الصورة من هنا، أما الناعور ما يطلع أو الحوش ما يطلع”..”إحنا تعبنا تعبنا.. خللي نحصل صورة زينة”…

وأخيراً، صرنا حيث كانت كامرتي تستطيع أن تحتوي أحب مكان لدي في العالم. لم يكن في الكامرة شيء أوتوماتيكي، ولن أبذر أكثر من صورة واحدة حتى هنا!  أضبط المسافة… قدّر فتحة العدسة المناسبة…. السرعة… والآن حاول أن تستقر أكثر ما يمكن ذلك في بلم صغير تؤرجحه الأمواج…و…” كليك” !

 

وغرقت “عانه”! ومازالت ترن في أذني أصوات صرخاتنا وتلاطم الأمواج ورذاذ الماء وصراخ فاضل القلق من غرق البلم، وصوت الناعور الذي لم

حكاية جورية 

لكل وردة عطرها

ولي عطري

انا ما تعرفون

أنا ان مشيت يمشي اهل العشق على اثري

انا ملكة الورد توافقا مابين الندىوالورد والزهر

انا من اغرى الجماد لان يكون له مقل

فسبحان من ابدع

وسبحان من اودع

السحر كل السحر في عطري

انا امين الجمال ومؤتمن

سر الورود كله في خدري

لذلك سأعمل على تغيير هذا الكون

هذه هي رسالتي وهذا هو قدري

طيب على طيب وثغر على ثغر

هكذا قالت الوردة الجورية دون ان ادري

بذلك النصل

الذي شطرها الى نصفين

يالهول الطعنة

ويا لقسوت تلك اليد

محمد حسن المنلا

                  ايهم محسن3-3-1012 السبت

 شاعر الأبوذية  (  الشاعر سالم الصالح )

ربما الصدفة جمعت بيني وبين الشاعر سالم الصالح حتى أصبحنا أكثر من أصدقاء ولازلنا أصدقاء لكن الذي فرق بيني وبين الشاعر سالم الصالح الغربة ومع ذلك لازلنا نتواصل بين الحين والأخر من خلال زياراتي للعراق لكنه موجود في مخيلتي وذاكرتي لا استطيع نسيانه حتى

لو نسيته يوم من الأيام  فالأغنيات التي كتبها لا تجعلني نسيانه وكان اللقاء الأول بيني وبينه منذ أكثر من عشر سنوات وهذا اللقاء لازلت أتذكر كل كلمة تكلمنا بها وكان يحمل بيده دفتر مليء بالأشعار التي كتبها لكني  كنت لم اعرفه منذ قبل ولا اعرف عنه أي شيء وبدأ بالحديث عن نفسه وقال لي أنا اسمي سالم الصالح واكتب الشعر ولي بعض النصوص الغنائية وبدا يقرأ من الدفتر الذي كان بين يديه وكان تركيزي الأول على صوته الرخيم الذي يحمل قرارا رائعا بنبرات حزينة فأعجبت بطريقة أسلوبه المميز بالإلقاء وربما كان لا يدرك ذلك انه يمتلك هكذا موصفات رائعة بصوته الذي يراودني كثيرا ولا استطيع نسيانه,فأخذت بعض النصوص لتلحينها وهذا ما كان يبحث عنه, فطلبت منه بتغيير بعض المفردات لكنه لم يعارض أبدا وطلبت منه أيضا أن يتواصل  ويحتك بالشعراء الشعبيين وان يستفاد من تجاربهم لأن الشاعر سالم الصالح لم يكن له تواصل مع الشعراء وهذا الشيء مهما بالنسبة له ووافقني الرأي وذهبنا إلى الشاعر الكبير الأستاذ محمد خليل كوكز وعرضنا له الأغاني والمواويل التي كتبها الشاعر سالم الصالح وبدأ اهتمامه وأعجب بالكلمات وعبر عن رأيه في بعض الملاحظات التي يحتاجها الشاعر سالم الصالح التي استفاد منها ومن النقد البناء من الشاعر محمد خليل كوكز لأن الشاعر الكبير كوكز له  باع طويل في كتابة الشعر ويعتبر واحد من أهم الشعراء الشعبيين في محافظة الأنبار والعراق وله الفضل الكبير وأصبحا الشاعر سالم صديقا له,وما جعل الشاعر سالم الصالح ان ينجح هو تواضعه وتقبله للنقد البناء والإصرار الذي يمتلكه وبدأ يتواصل مع الشعراء ومشواره الحقيقي مع كتابة الشعر وأصبح شاعرا رائعا بكتابة (الأغنية وكتابة الأبوذية والزهيري والموال) لأن الشاعر سالم الصالح يمتلك موهبة حقيقية جعلته يتطور يوما بعد الأخر في بناء الأغنية والكثير من البحور الشعرية وكل يوم يفاجئنا بكتابة أبوذية وموال,وأنا اعتبر الشاعر سالم الصالح شاعر شفاف في جميع كتاباته ومميز عن بقية الشعراء وخاصة في كتابة الأغنية ولقب بشاعر الأبوذية من زملائه الشعراء لكنه ليس فقط شاعر الأبوذية أيضا يستحق لقب الشاعر الشفاف وشاعر الأغنية من خلال تجربتي معه وتلحين العديد من الأغنيات التي كتبها ويستحق ذلك بكل جدارة ومن الأبوذيات التي كتبها الشاعر سالم الصالح ( وردة )

عجيبه اشلون ما سموك وردة

يحالتي حالت المجنون ورده

أبحديقتنه أنتمنه أتصير ورده

نشمك كل صباح أو مسيه

التي غناها أحد الفنانين لا أريد أن أذكر اسمه وأيضا غنى له أغنية التي أعددت لها اللحن من التراث وتفاجأت بتسجيل الأبوذية والأغنية باسم شاعر أخر وسجل اللحن من التراث حينها اعتذر لأنه لم يقصد الإساءة وقبلنا الاعتذار وطلبت منه ان يغني الأبوذية والأغنية في احد اللقاءات التلفزيونية ويقول هذه من كلمات الشاعر سالم الصالح وحينها قال سوف افعل ذلك لكنه لم  يفعل ذلك,ومع ذلك الشاعر سالم الصالح نسي الأمر ولم يتذكره بعد لأنه طيب القلب وسمح جدا.

الشاعر سالم الصالح له خصوصية في كتابة الأغنية الوطنية وتميز بهذه الجانب الرائع وهذا ما يدل على حبه وإخلاصه لوطنه الحبيب العراق العزيز والغالي على جميع العراقيون الشرفاء ومن بين هذه الأغاني التي كتبها الشاعر سالم الصالح أنشودة (وين أنت مثلك وطن ) التي سجلها  الفنان  لمبدع (ظاهد الراشد) التي ابدع في اداء هذه ألأنشودة الرائعة وكانت الأنشودة من الحاني ربما اللحن لم يكن بنفس مستوى الكلمات لأني لا استطيع تقييم الحاني ربما كان اللحن اقل مستوى من الكلمات الانشودة.

ايهم محسن

من هنا تحميل واستماع انشودة وينت مثلك وطن

منذ صغره كان يرسم عوداً صغيراً بمخيلته رسم عوداً على جدران تلك المدينة مدينة البصرة الجميلة والرائعة التي كان يعيش فيها وكان يكتب عبارة تحت العود هذا عود ثلبت البصري

حلمه الأول أن يصنع عودا صغيرا لينال إعجاب معلم الموسيقى ورفاقه في المدرسة لأنه دائما يسأل وبفضول معلمه هل أستطيع أن أصنع آلة العود وأتعلم العزف عليها

هكذا كان حبه للموسيقى ورغبته الشديدة لتعلم صناعة آلة العود التي شغلت فكره منذ الصغر.

كان يعشق سماع الموسيقى وبشغف وكل ما هو جميل من فن راقٍ وخاصة سماع الموسيقى على آلة العود,لان الأصوات التي تصدر من آلة العود تخاطب جميع أحاسيسه وعواطفه ومشاعره الصادقة باتجاه الإنسانية.

بدأ يكبر ويكبر حلمه الذي راوده منذ الطفولة حتى جاء اليوم الذي قرر فيه أن يصنع ذلك العود وحقق حلمه وبكل نجاح وترك بصمة كبيرة على تلك المدينة التي عاش فيها, وهو يحمل جميع ذكريات الطفولة وذكريات العود الذي رسمه على جدران مدينته ليحلق بها فوق البصرة وشناشيلها التي تذكرك بأمجاد هذه المدينة لتي تمسك بها منذ الصغر, ليصبح صانعاً وعازفاً لآلة العود حتى يكون لديه تواصل روحي بين الصناعة والعزف.

بدأ يتعلم الصناعة يوماً بعد الأخر وسرعان ما تعلم صناعة آلة العود لكنه لم يتوقف عند هذه الصناعة فقط بل دخل مجالات أخرى وأبدع فيها ليكون موسوعة شاملة,

صناعة الة العود إنها صناعة جميلة وصعبة في نفس الوقت بكل تفاصيلها وتحتاج إلى الكثير من الوقت والدقة والتركيز والجهد لأن الصانع الجيد لم يأت من فراغ أبدا,الفنان ثابت البصري تجاوز جميع المراحل الصعبة التي مرت به لأن إرادته كانت قوية وهذا ما جعله صانعا مبدعا ومحترفا

وأصبح من أشهر صانعي آلة العود وهذا يدل على حبه وشغفه بالموسيقى وحبه أيضا لمدينة البصرة لأنه يعشقها ويعشق فنها الأصيل المتوارث منذ القدم.

أيهم محسن 

12-8-2011


صناعة آلة العود في العراق والبصرة

لابد أن لصناعة آلة العود في العراق ولصنّاعها تاريخ قديم ومن هذه الصناعة التي تعتبر من أهم الصناعات للآلات الوترية الشرقية التي تستخدم في العزف والتلحين واستخدامها في التخت الشرقي ,ولقد ترك صانعو آلة العود وراءهم بصمة فنية قيّمة لا تزال موجودة في تراث هذا البلد العريق منذ الاف السنين.

ومن هؤلاء الصناع الصانع محمد فاضل وأولاده ويعتبر من أقدم وأشهر الصنّاع لآلة العود في مدينة بغداد والعراق,ولازالت أعواده موجودة لقد شاهدت أعوده  بوزن الريشة المطعّمة بالصدف والزخرفة ويعتبر تحفة فنية نادرة ورائعة.  أما الصنّاع نجم عبود أيضا كان له دور كبير في صناعة آلة العود في مدينة بغداد والعراق والوطن العربي وفي مدينة البصرة الصانع منصورمحمود وفي الزبير فوزي المنشد وهناك العديد من المبدعين لم يتسنّ لي ذكر أسمائهم هؤلاء المبدعين تركوا أثر وإرثاً وتحفاً نادرة لصناعة آلة العود يضاف لتراث مدينة بغداد والعراق والوطن العربي لتفتخر بأسمائهم وبصناعتهم المليئة بالإبداع, لقد تركوا بصمة مميزة في الماضي وفي حاضرنا وحتى للأجيال القادمة رحلوا ولم يبقَ منهم سوى أسمائهم وأعمالهم  التي لم تمت.

 يولد الإبداع مع الأشخاص الموهوبين الذين يصرون على  خلقه رغم الصعوبات

والتحديات وجاء العديد من صانعي آلة العود واستمرت هذه الصناعة إلى يومنا هذا ومن بين هؤلاء

 الصناع الصانع ثابت البصري الذي ترك بصمة مميزة في هذه الصناعة وأراد أن يكون مكملا لمسيرة الصناعة والإبداع ليصبح واحداً من المبدعين لصناعة آلة العود في مدينة البصرة وبغداد وفي جميع انحاء العراق والوطن العربي حيث امتزج اسمه مع العود البصري بشكل خاص ومع العود بشكل عام ليكون جزءاً من المبدعين الذين سبقوه,أراد أن يكون متميزا وبارعا بعوده الذي حلم  به منذ طفولته وأصبح العود الذي يصنعه بيده تحفه ذات قيمة فنية,أجاد في صناعته بجميع تفاصيلها ودقة القياسات العلمية الملائمة للعزف واختيار الأخشاب الملائمة والفاخرة(كالسيسم الهندي والورد والأبانوس )حتى في اختيار الزخارف التي تذكرك بالعهود السابقة لمدينة البصرة.

ثابت البصري يتعامل مع آلة العود بإحساس مرهف وهناك مخاطبة حسية بين آلة العود وروحه الصادقة لأنه يعشق الموسيقى ويعشق آلة العود وصناعتها وكان يرسم عوده المنشود في كل مكان يجلس فيه عندما كان صغيرا.

لأنه عشق الموسيقا وصناعة الة العود وعشق مدينة البصرة وكل ما فيها من تراث ليرتوي من فنها العتيق الملتصق على جدران أزقتها القديمة وعلى أبوابها الجليلة ليصبح صانعا ماهرا متألقا بين الصناع في البصرة وبغداد وفي الوطن العربي وأراد أن يتألق اسمه بين المبدعين الذين سبقوه وأن يجمع تلك الأسماء التي دثرتها السنون في صناعة آلة العود الذي يصنعه بيده حتى يكون هناك مزيج من الإبداع والوفاء لهم ليبقى عوده يوما من الأيام تحفة نادرة تفتخر بها مدينة البصرة مدينة المبدعين.

يعتبر ثابت البصري واحداً من هؤلاء الصناع المبدعين وله بصمه مميزه عن باقي الصناع فقد جمع بين الصناعة والإبداع في آن واحد.

 ويعتبر صانع لأكثر من آلة وترية و لا ننسى إجادته في صناعة (العود السحب ) الذي يبتعد كثيرا في موصفاته عن العود الشرقي من حيث القياسات وربط الأوتار وحدة الصوت ويستخدم بالعزف المنفرد وهذا يدل على موهبته وإصراره على النجاح الباهر في هذا المجال والتوفيق بين بقية الآلات الوترية التي أجاد في صناعتها.

يكفي الفنان الكبير وديع الصافي زاره الى ورشته وصنع له عودا عندما كان مقيما في الكويت والفنان عبدالله ابو الغيث والفنان الكبير طالب القره غلي وسعيد البنا وغيرهم,ومن المطربين الذين غنو على عوده الفنان مصطفى احمد من الكويت  ومحمد ازويد من البحرين والفنان الكبير محمد عبده من السعودية وعائلة الرحباني من لبنان

أيهم محسن.

 27-7-2011

 

 

الفنان فائف محمد فاضل يتعامل مع آلة العود بإحساس مرهف وهناك مخاطبة حسية بين آلة العود وروحه الصادقة لأنه يعشق
الموسيقى ويعشق آلة العود وصناعتها وكان يرسم عوده المنشود في كل مكان يجلس فيه عندما كان صغيرا.
أيهم محسن.

( كوكز يحاكي الموسيقى بشعره )

إن الشاعر الشعبي الموهوب محمد خليل كوكز,شاعر أصيل ومبدع في كتاباته الشعرية فعندما يكتب بيتا من الشعر أو قصيدة يلونها بنغمات موسيقية خارجة عن المألوف ,بجماليات رائعة,
فتجد الموسيقى تنبثق وتتسربل بكل مفردة من مفرداته,نابعة من قلبه الصافي لتصل إلى حنجرته يغنيها بطريقة تلفت انتباه السامع منسوجة بحزن قديم ورثه من هموم الحياة.
لقد رافقته سنوات طويلة وما يزال هذا التواصل على رغم من بعد المسافة بيننا,كوني خرجت من العراق منذ أكثر من سبع سنوات,ولقد كان للشعر وللموسيقى حكاية معنا,كنا نجلس ساعات طويلة لنحقق رغبتنا بالشعر والموسيقا,كنت استمع إليه كثيرا,وكلما ألقى علي قصيدة,يصمت في وسطها ويقول لي إن هذه القصيدة من بحر كذا ومن إيقاع مثلا الوحدة الكبيرة أي الإيقاع الثقيل ومقام الرست,أذهلني فيه وشدني لشعره الممزوج بالموسيقا.
ومما يدل على أذنه الموسيقية وذوقه السليم وإلمامه بعلم الموسيقا لكثرة استماعه للغناء العراقي الأصيل وللمقام العراقي ولكبار الموسيقيين والملحنين لجميل بشير ومنير بشير والحان الموسيقار عباس جميل والحان الموسيقار طالب القرغلي وغيرهم,وكان ذلك اختيار رائعا ما جعل شعره يحاكي الموسيقا بكل مفردة يكتبها.
ويتميز الشاعر كوكز بطريقة جميلة في الإلقاء,بحيث يشدك إليه بصوته الحزين,ولا أنكر أنني قد تأثرت كثيرا بطريقة إلقائه, وبحضوره المميز,وكنت أظنه انه ينشد.
ولا يخفى عليك عزيزي القارئ,أن الإبداع حسنُ ومعاناة,ويقول أحد الفنانين التشكيليين
(لا يمكنني أن أرسم أو أصور الجوع دون أن أعانيه) وهكذا كوكز فهو لا يكتب شيئا من الخيال بل من الواقع الذي يعيشه,فالمعاناة جعلت منه شاعرا فحلا.

(الموسيقا الداخلية في شعر كوكز).
لقد وجدت أكثر أشعاره تمتاز بالموسيقا الداخلية فهو يقول في قصيدة والتي بعنوان (من جديد) وسوف أذكر بعض الأبيات من القصيدة.
من جديد اشتاك الك وعشك هواك
ومن جديد الروح تغفه ابين اديك
اجمع اجروحي ونثرهه ابسماك
اولونزف دمهه ورد يمطر عليك
وانسه كل السم الجرعته أبمر جفاك
وانسه الامي وعذابي وعتنيك
أو لوغدر بيك الزمن غفله او طواك
كلهه تتبره أو تحن روحي او تجيك…..
فإنني التمس العلاقة المتلازمة بين الموسيقا الشعرية والموسيقا السمعية بشكل واضح وكأن هذه القصيدة ولدت ملحنة,وكذلك في قصيدة( ما أملكم )
فأن التنويع في الإيقاع والمقامات الموسيقية والنغم الحزين رافق القصيدة من أولها حتى أخرها بحيث يقول فيها
ما أملكم…جيت الم عثرات جدمي
ابليل هندس خطوه خطوه واعتنيكم… ما أملكم
واني صبري اموالف السجه الطويله
عيوني ريل ادموع…حسراتي تسافر
بيه كل عبره محطّه اشتاكت الكم…ما أملكم
انتو الف باء العشك…… دفتر حياتي
صفحه صفحه ايشيل اسمكم
يا عشكم..فتح ابكلبي ورد…وشلون ما تدرون أشمكم…ما أملكم.
وكذلك أنشودة( يا عراق)وهو يقول فيها
يا عراق أنطرزه ألاسمك وسام
ونعلكه بصدورنه ايدفينه
ياعراق من نكع أبارض الحرام
تنزل أجبالك تجي وتشيلنه
ياعراق المانزف دمه عليك
هذهه مومن ماينه أو لا طينه….
وكذلك في قصيدة( الغربة) الرائعة التي لا استطيع أن أو صفها المليئة بالتناغم الحسي والروحي التي تشدك إلى انسجام موسيقي حزين وهو يقول فيها
يا وطن ما أنسه حضنك والدّلال
وين أدوّر مثل حضنك مالكيت
………..
ماحله أبعيني وحقّك ياعراق
لا جمال الدنيه لا كلشي قريت
…………..
انت لوحه أوخارطة هاذه الوجود
ونت شمس الله الجبيره الماطفيت….
وقصيدة( سبحة سندلوس) المليئة بالصور الرائعة والتناغم بين مفرداتها حيث يشدك إلى سماعها بدون أي ملل أو تكرار فهناك انسجام موسيقي بينه وبين المتلقي وخاصة عندما يكون مباشر. وهو يقول فيها
صرت ديوان أو ألمهم بين أديّ
أو عار…لو ديواني ما لم عارهم
كسّرت عمري عله موكد عشكهم
حتّه ادفيّهم طَُفتني أمطارهم.
ومن الأبوذيات التي دائما ارددها التي كتبها شاعرنا العزيز كوكز يقول فيها
كصن بيه الليالي الّمنّي
ولا رادن امن احّد الا منّي
يضل مرفوع راسي واللّي منّي
لا يهمني ولا اثّر عليه.
وهناك الكثير من الأبوذيات والزهيري لكني لا أريد ان أطيل بالكلام.
فعندما امسك بالعود وأحاول تلحين قصيدة أو أنشودة أو نص له فانه يرغمني بأن أضع الإيقاع الثقيل والإيقاعات الهادئة والتنقل بين المقامات واختيار الجمل الموسيقية الصعبة والحزينة, وكأنه يضع قانونا أو قالبا موسيقيا جديدا لإلقائه الشفاف ولقصائده,ونصوصه الشعرية الرائعة والجميلة.
الشاعر محمد خليل الكوكز شاعر وإنسان بكل شيء وهو الذي كرس حياته من أجل كتابة الشعر الذي يصارع المعاناة ليضعها بلسماً للجرح العراقي,كتب الكثير ولديه عدة دواوين شعرية وكتب بجميع الألوان الشعرية ويعتبر واحداً ممن حافظوا على التراث الشعبي,كتب القصيدة والأغنية والأنشودة والموال والأبوذية والزهيري وكتب العتابة والنايل والسويحلي والميمر ولم يفته لونا من الشعر إلا وكتبه,وهذا يدل على موهبته وبراعته,ولم يتوقف عن الكتابة مع الظروف التي
مر بها والمعاناة التي يلاقيها لكنه يعتبرها مواقفاً ليجعل منها صورا شعرية تحاكي الضمير والوجدان والإنسانية فإنه يستحق الكثير من الألقاب التي تليق به فأنا ألقبه بشاعر القصيدة المليئة بالأنغام العذبة والموسيقا الحزينة التي لا تشبه غيرها.
ونال إعجاب من كبار الشعراء وله جمهور واسع أينما ذهب,وقصائده التي لا تخلو من الصور والألوان الجميلة المطرزة بالموسيقا الحسية التي لا استطيع وصفها لكوني لست ناقدا بالشعر لكني أحس بها وأتأثر بها وأستمتع فيها.
مهما حاولت التعبير عن هذا الإنسان والشاعر المبدع لا استطيع وصفه,لكني ألفت قطعة موسيقية إهديها إليه والتي تحمل اسم( كوكز) أعبر عنها بجميع أحاسيسي ومشاعري الصادقة اتجاه إنسانيته وعطائه المتواصل وأحاكي بها جميع أشعاره التي باتت في مخيلتي التي لا استطيع نسيانها.
30-10-2011 الأحد
أيهم محسن

(بس تعالوا) من الأغاني الجميلة والرائعة التي لامست وتكلمت عن جرح وحزن عراقي وهموم متراكمة وعن الإنسانية التي نسجها الشاعر ليس من الخيال بل من الواقع الذي نعيشه,ونجد الشفافية والمصداقية والإنسانية موجودة في كل حرف من القصيدة التي كتبت لأوضاع خاصة بالشاعر, كانت تلامس جرح شاعرها, لكن سرعان ما تحولت تلك الأغنية إلى عوامل مشتركة بين الشاعر وجميع العراقيين لأنهم تأثروا بها كقصيدة وحملوها بقلوبهم كلحن رائع وعشقوها كأغنية من صوت عذب,التي كتبها الشاعر والإنسان الشفاف (سعدون قاسم ) وأصبحت (بس تعالوا) جزء لا يتجزأ من كل من استمع إليها ,التي لحنها الموسيقار الرائع (كاظم فندي) انه يستحق الوقوف لتأدية التحية الذي لم يترك بصمة واحده في العراق فحسب بل ترك بصمات كثيرة وكبيرة في نفس الوقت,ألحانه المطرزة بحنين العراق المنسوجة بروح صادقة ,أداها الصوت الجريح الذي يحمل في طياته أنين القصب والبردي وليل الأهوار ونسمات دجلة والفرات, بلبل الجنوب ابن العراق الصوت الشفاف( الموسيقار كريم منصور) الذي ترك أثرا كبيرا في نفوسنا ذلك الصوت المعبر في جميع أحاسيسه ومشاعره الصادقة.
وتفاجأت عندما استمعت إليها مسجلة بصوت الفنان العزيز ظاهد الراشد لان هذه الأغنية لم يستطيع احد أن يؤديها غير( الموسيقار كريم منصور),المهم حاولت التركيز مع أغنية( بس تعالوا) بصوت الفنان ظاهد الراشد نعم انه عبر بجميع أحاسيسه الصادقة من خلال أدائه للأغنية, أراد أن يستذكر صوت الفنان كريم منصور وهذا شيء رائع جدا,وحاول أن يحذو حذو الموسيقار (كريم منصور) لأنه يرغب بغناء تلك الأغاني القريبة إلى صوته وقلبه التي تتكلم عن واقع حال, استطاع أن يظهر ما في داخله من هموم وحزن متراكم وهموم لا تزال تعيش في داخل كل مواطن عراقي داخل العراق وخارجه من خلال أداء الأغاني التي تحمل اسم العراق الجريح وأغنية ( بس تعالوا) والمواويل التي تلامس تلك الجروح التي باتت واضحة على كل عراقي يحمل الإنسانية.
استطيع القول إن الفنان ظاهد بدأ النضوج لديه وغيـّر نمطه بالفن الحقيقي الذي يحمل الرسالة التي تعبر عن واقع الحال الذي نعيشه لان الفنان الحقيقي هو مسؤول عن كل ما يقدمه للمستمع وخاصة في العراق نحن بأمس الحاجة إلى الكلمة والمفردة واللحن والأغنية التي تعكس الصورة الواقعية ,حتى يصبح الفنان ذو قيمة في المجتمع الذي يحيط به.
كتب للفنان ظاهد العديد من الشعراء منهم الشاعر سالم الرافع والشاعر المبدع محمد خليل كوكز الذي قدم له أجمل القصائد الوجدانية والوطنية والمواويل التي لامست الجرح العراقي,ولحن له الملحن الراحل( قيس الحربي) الذي يعتبر أول من لحن له وتعامل مع العديد من الملحنين وأستطاع الراشد أيضا تلحين بعض الأغاني التي غناها بنجاح.
أما من ناحية الإمكانية بالأداء يعتبر من الأصوات المتوسطة ولديه إمكانية جيدة في الأداء والتلاعب بالنغم والانتقال بين المقامات والانعطاف قليلا ليأخذ بعض الجمل الموسيقية منها ثم الرجوع مرة ثانية إلى المقام والدرجة التي يرتكز عليهما وبكل سهولة وبجماليات تفوق العادة ليبحر مرة ثانية ويرتكز إلى مقام أخر بدون تكلف ليسبح في محيط من الأنغام ليرتوي منها حتى يعود مرة ثانية إلى المقام الذي بدأ منه وهو يحمل النغمات التي جلبها من هنا وهناك ليضعها في أذن المستمع لتصبح غذاءا ً للروح, ويمتلك( العرب الصوتية الجميلة) ويستطيع الوصول إلى جواب الجواب والقرار في بعض الأحيان حسب المقام والدرجة التي يرتكز عليها ويستطيع الغناء على أكثر من درجة موسيقية, فتجده يبحث وراء المقامات المنسية مثل(مقام الجهاركاه ومقام الحجاز كار ومقام السوزناك) والأغاني والمواويل المعبرة ويؤديها بكل جدارة, وهذا يدل على حبه وحرصه للفن الأصيل وذوقه الرائع, ويعتبر صوته من الأصوات المهذبة ولديه القدرة على أداء الكثير من الأغاني الصعبة وأداء المقامات العراقية وخاصة أغاني كريم منصور التي أبدع فيها وبقية الألوان العراقية مثل الأطوار الريفية مثل (الأبوذية والزهيري والمحمداوي) وأيضا أجاد في غناء الأطوار الغربية لكونه ابن هذه البيئة مثل طور( العتابة والسويحلي والنايل والچوبي) والكثير من الأطوار وأيضا لديه خاصية في غناء (مقام الكورد) الذي انفرد فيه لكي يصبح له نمطا ً خاصا ً في الغناء وأدى الكثير من الأغاني العراقية القديمة الصعبة والأغاني العربية المتنوعة. عندما تستمع إلى صوته العذب والحنون لم تنسى تلك الأحاسيس المرهفة التي تجعلك تنتعش وتذهب مع صوته إلى أجواء خالية من الضجيج ليبعث الهدوء والارتياح بالنفس.
لكن للأسف الشديد لم يأخذ نصيبه ولم يحالفه الحظ في الإعلام هناك الكثير من أعماله الخاصة التي لم تظهر كثيرا على إحدى القنوات الفضائية,اليوم أصبح الإعلام أوسع بكثير وخاصة في العراق هناك الكثير من الفضائيات ولا نستطيع عدها, نأمل من الجهات المعنية ومن الإعلام والقنوات الفضائية أن تهتم بالفن الحقيقي وإعادة النظر في مسألة مهمة وهي الفن الحقيقي الذي أصبح مهمشا, ليست الموسيقى والغناء وحدهما بل جميع الفنون التي باتت تعاني من الانقراض وهذه مسألة مهمة فلولا الفن لم تظهر تلك الحضارات التي وثقها عبر ألاف السنين.
أتمنى التوفيق للفنان ظاهد الراشد الذي بدأ يشعر بالمسؤولية اتجاه الفن الحقيقي الفن المعبر حتى تصل الكلمة الجميلة واللحن المعبر الى جميع قلوب الناس

أيهـــــــم محسن

صوت مميز يحمل في طياته الحزن والشجن والعاطفة والشفافية في نفس الوقت, صوته ممزوج بروحيات متعددة حيث ينقلك بين قصب الأهوار وشلالات الشمال ويذهب بك إلى الكرخ والرصافة ويطير عاليا مرة أخرى ليحلق فوق نواعير هيت, وعندما تستمع إليه يترك أثرا كبيرا بالنفس ويعطيك جرعة من الأحاسيس والعاطفة والمشاعر ولن تنسى ذلك الصوت العذب الذي ارتوى من دجلة والفرات, لو انقطعت عن سماع ذلك الصوت الجميل فترة معينة وترجع مرة أخرى لتستمع إليه سرعان ما تتذكر نبرات صوته الحنون المليء بالشجن والأحاسيس الممزوج بروح صوفية متأثرة بالإنسانية والوجدانية النابعة من قلبه المحب للخير والعطاء, انه صوت الشاب المبدع الفنان عامر الرحال نعم انه صوت يستحق ذلك التعبير والكلام الجميل والسماع إليه بكل وقت انه الصوت المخملي.
عامر من الأصوات المهذبة ويمتلك خامة صوتية فريدة من نوعها ,ومن الأصوات غير التقليدية وهذه صفة مهمة للصوت ومن الأصوات المتوسطة لأنه لا يمتلك جواب الجواب ولا قرار القرار صوته طبيعي وهادئ استطيع القول بعيدا عن الصراخ أو ما شابه ذلك وهذا لا يدل على انه ليس لديه قرار أو جواب بل على العكس كل مؤدي أو مغني لديه الجواب والقرار لكن أنا اقصد القرار الكبير أي قرار القرار وجواب الجواب وهذا ليس عيب عندما لا نجد بالصوت القدرة على أداء جواب الجواب أو قرار القرار هذه مسالة طبيعية فلكل صوت قدراته ,هناك أصوات جواب الجواب أي( السبرانو) الصوت النسائي وهذا غير محبب, السبرانو فقط لأصوات النساء,لكن العيب عندما توجد الأخطاء بمخارج الحروف أو الخروج عن التون أو الخروج من الدرجة أو العلامة الموسيقية والخروج من الإيقاع أو هناك (نشازا ) بالأداء هذا هو العيب غير المرغوب به في الغناء بجميع أشكاله, حتى عندما يؤدي عامر الجواب لا تشعر به لأنه لا يتكلف الغناء ولا يجهد نفسه يؤدي ولا يزعج أذن المستمع فهذه أيضا موهبة أخرى يمتلكها الرحال فتجد لدية تعدد المواهب وهذه صفة نادرة لا نجدها عند أي صوت أو مؤدي, فتجده يغني بسلاسة وبهدوء حتى باختيار الألحان الهادئة والإيقاعات التي لا نجد السرعة فيها ولا حتى الضجيج وهذا الهدوء الجميل الذي يمتلكه يسيطر على التحكم بصوته عندما يؤدي وحتى على شخصيته, ويمتلك القدرة على التلحين, ويجيد العزف على آلة العود والناي ,ولحن لصوته عدة الحان ولديه القدرة على التنقل بين المقامات بسلاسة وبانسيابية جميلة وكأنه يلون لوحة بألوان غير تقليدية .
منذ صغره كان يستمع للمطربة أم كلثوم ويحفظ العديد من أغانيها والمقام العراقي وكذلك الغناء العراقي بكل ألوانه وهذا الخليط من سماع الأغاني جعل لديه ثمره فنية مميزة وأصبحت لدية ميزه رائعة وهي طريقة الأداء بالموال التي لا تشبه أي طريقة بالأداء, طريقة مبتكرة غير تقليدية استطيع أن أقول عامر ابتكر لونا أخر من غناء الموال الخاص به وهذه الألوان والأطوار موجودة في العراق فقط وهذا الذي يميز الفن العراقي .
طريقة عامر بالغناء هي جديدة وحديثة وتلفت المستمع وهذا الشيء الذي يميز الفنان وتتسلط الأضواء عليه وإلى كل من يأخذ خاصية في طريقة أداء الموال وحتى في الغناء.
ظهر عامر الرحال في بداية الثمانينات أراد أن تكون له بصمة مميزة من ناحية الألحان والنصوص الغنائية التي اختارها ,كتب له الكثير من الشعراء الشاعر سالم الرافع كاظم إسماعيل قاطع والشاعر عزيز الرسام وغيرهم من الشعراء ولحن له الملحن الموسيقار جعفر الخفاف,
لم يستمر الرحال في الغناء فكانت المعارضة الكبيرة من الأهل والأقارب وحكم الظروف والعادات والتقاليد العشائرية التي ترفض اسم فن أو فنان رفض قطعي وبدون فتوى ,التي استسلم الرحال إلى مطالب الأهل والأقارب حتى جاءت الفرصة الذهبية للرحال ليتعرف على الشاعر الراحل احمد العسكري الذي كتب قصيدة الفصحى وكانت لدية فرقة إنشادية تسمى فرقة (الفجر الجديد) التي تحمل نور الله بكل مفردة من قصائد العسكري الذي ترك أثرا كبيرا بقصائده وكتاباته الرائعة, رحم الله الإنسان والشاعر الراحل احمد العسكري, بدأ الرحال مشواره مع العسكري ومع الفرقة وأصبح ملحنا ومنشدا لها ,ولحن مجموعة رائعة من قصائد العسكري, هذه المرة لم يستطع احد الوقوف بوجه الرحال وحبس صوته من الأهل والأقارب,لانه غير نمطه من فن عادي إلى فن سام أهدافه واضحة يحمل رسالة مبنية على الإنسانية والتسامح وحب الآخرين والحب في الله.
الرحال لم يستمر طويلا مع العسكري ربما لظروف معينة جعلته يبتعد عن الأداء أو الإنشاد والتلحين.
أتمنى أن يعود مرة أخرى إلى فرقة الفجر الجديد والى اختيار القصائد التي تحمل مشاعل الخير والعطاء من مختلف الشعراء حتى يتواصل إبداع الرحال ,لأننا بحاجة إلى صوته المخملي والى تلك القصائد التي باتت في حنجرته لكي تظهر مرة ثانية ليستمع الجميع إلى الفن الحقيقي الفن الراقي الذي يحمل في طياته جميع أطياف الفن الهادف.

أيــــهـم محسن